للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خرج بالتأييد والتوفيق، في صحبته أبو بكر الصديق، السابق بالتصديق، بإذن من الله له في الهجرة، واستصحابه إلى غار ثور، فمكث فيه ثلاث ليال، وأنبت الله شجرة فسدت وجه الباب، وأمر العنكبوت فنسجت على فمه، وحمامتين وحشيتين فوقفتا بفمه، فكان ذلك سببا لتحققهم عدم أحد به.

وبعد الثلاث ركبا راحلتين، وراحلته صلّى الله عليه وسلّم، هي ناقته الجذعاء، وأردف أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة، ومعهم عبد الله بن الأريقط‍، ليدلهم على الطريق وذلك في يوم الاثنين من ربيع الأول، وسنه صلّى الله عليه وسلّم: ثلاث وخمسون.

وعرض سراقة بن مالك وهو على فرسه، للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ليفوز بما وعدت به قريش من جاء به، فدعا عليه فساخت فرسه. فقال: «يا محمد، ادع الله أن يطلق فرسي، وأرجع عنك، وأرد عنك من ورائي» ففعل فأطلق، ووفى.

ومر النبي صلّى الله عليه وسلّم بخيمتي أم معبد-عاتكة-ومنزلها بعد قديد فرأى شاة خلفها الجهد عن الغنم، فسألها: «أبها لبن»؟ قالت: «هي أجهد من ذلك» فاستأذنها في حلبها، فقالت: «نعم بأبي وأمي، إن رأيت بها حلبا» فمسح بيده الطاهرة ضرعها، وسمى الله تعالى. وقال «اللهم بارك لها في شاتها» فتفاجت عليه ودرت واجترت، فدعا بإناء لها يربض الرهط‍، فحلب فيه، ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه كذلك، ثم شرب آخرهم. وقال «ساقي القوم آخرهم» ثم حلب في الإناء ثانيا، حتى ملأه، وتركه عندها وارتحلوا.

وأصبح صوت بمكة عاليا يصيح بين السماء والأرض يسمعونه، ولا يرون قائله:

جزى الله رب الناس خير جزائه … رفيقين قالا خيمتي أم معبد

هما نزلا بالبر، ثم ترحلا … فقد فاز من أمسى رفيق محمد

فيالقصي، ما زوى الله عنكم … به من فعال لا تجارى وسؤدد

ليهن بني كعب مكان فتاتهم … ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها … فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حايل، فتحلبت … صريحا ضرة الشاة مزبد

فغادره رهنا لديها بحالب … يرددها في مصدر ثم مورد

ونحو قصة أم معبد سبب إسلام ابن مسعود حيث أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم من الغنم-التي كان ابن مسعود يرعاها-شاة لم يمسها الفحل وحلبها، فدرت.

وانتهى النبي صلّى الله عليه وسلّم في ربيع المعين ضحى يوم الاثنين، لاثنتي عشرة خلت منه، إلى بني عمرو بن عوف، بقباء منها، فجلس فيها وجاء المسلمون عليه، وأبو بكر قائم يذكر الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>