وإلى كثير من المجاورين، بل كان شأنه السعي في مصالح المسلمين وحوائجهم، وهو السبب في إنشاء الرباط المنسوب إليّ، وله فضائل كثيرة في علوم، أجلها الفروع، والأصول، والنحو، وفي مجاورته الأولى سكن مبرك الناقة، وقد رأيته خلاء قبل قدومه بأيام يسيرة من مجاورته الأخرى، فنزل فيه أيضا، وكان هذا من العجائب، وقال الوالي العراقي: وترافق هو ووالدي على الخروج للمجاورة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وستين، وكنت معهما، وجميع عيال الوالد، فبدأ بالمدينة، فأقام بها مدة أشهر، كتب فيها بخطه ألفية الوالد، وحضر تدريسها في تلك المجاورة عنده، وخرجا إلى مكة، وكان لي منه حظ كبير من الإحسان والملاطفة، انتهى، ورأيت من تصانيفه بالمدينة: شرح اللمحة البدرية في علم العربية، لشيخه أبي حيان، سماه «المنحة السنية» وهو في كراريس، ومولده سنة ست وسبعمائة، واشتغل بالعلم وهو ابن عشرين سنة، وتفقه بالسنباطي، والسبكي ونحوهما، وأخذ العربية عن أبي الحسن الأنصاري، والد ابن الملقن، وأبي حيان، وسمع الحديث على ابن القماح، وابن عبد الهادي، والميدومي. وحدث، ومهر في الفنون، وبرع، واختصر الكفاية في ست مجلدات، وكذا التنبيه، فصحح على قاعدة المتأخرين، ثم اختصره مقتصرا على الراجح، وهو لطيف، كثير الفائدة، سهل التناول، بحيث رأيته بخط شيخنا، ولكنه قال إنه لم يرزق حظ الحاوي الصغير، وعمل تصحيح المهذب، مع تخريج أحاديثه، وضبط لغاته وأسمائه في مجلدين، ونكت المنهاج في ثلاث مجلدات، كثير الفائدة، وغير ذلك، وكان وقورا ساكنا، خاشعا قانعا، انتفع عليه الطلبة، وتخرج به الفضلاء، ذكره الأسنوي في طبقاته، وقال: كان أبوه روميا، من نصارى أنطاكية، فوقع في سهم بعض الأمراء، فرباه وأعتقه، وباشر النقابة لبعض الأمراء، فعرف بالنقيب، ثم انقطع، وتصوف بالبيبرسية، ولزم الخير والعبادة، ونشأ له ولده الشهاب على قدم جيد، فكان أولا بزي الجند، ثم حفظ القرآن وقرأ بالسبع، ثم اشتغل بالعلم وله عشرون سنة، فلازم إلى أن مهر، قال: وكان عالما بالفقه، والقراءات والتفسير، والأصول، والنحو، ويستحضر من الأحاديث شيئا كثيرا-خصوصا المتعلقة بالأوراد والفضائل-ذكيا، أديبا، شاعرا، فصيحا، صالحا ورعا، متواضعا، طارحا للتكلف، متصوفا، كثير المودة، كثير البر، خصوصا لأقاربه، حسن الصوت بالقراءة، كثير الحج والمجاورة بمكة والمدينة، كثير النصح والمحبة لأصحابه، وافر العقل، مواظبا على الأشغال، والاشتغال، والتصنيف، لا أعلم في هذا العلم بعده من اشتمل على صفاته، ولا على أكثرها، وشرع في تصنيف أشياء لم تكمل، وبالجملة فهو ممن نفع الله به وبتصانيفه، ولم يكتب قط على فتيا تورعا، ولا ولي تدريسا، وكان-مع تشدده في العبادة-حلو النادرة، كثير الانبساط، فيه دعابة زائدة، حفظ عنه في أشياء لطيفة، انتهى. وقد سأله صاحبه الجمال الأسنوي تدريس الفاضلية، فامتنع، ومات قبله مطعونا في رابع عشر