والخطابة وغيرهما، ثم أضيف إليه-في السنة التي تليها-تدريس درس شبر الجمدار، ثم تدرس المجاهدية بمكة أيضا، واستمر على ذلك حتى مات، وكان كثير التودد إلى الناس، مجملا لهم، مع عقل تام، وديانة وصيانة وعفاف، لكونه نشأ على ذلك من صغره، ولديه فضائل ومعرفة بالأحكام، ورزق فيها من صغره السداد، مع الهيبة والحرمة، ولما كان بالمدينة كان نقمة على الرافضة، وله في إهانتهم-لإعزاز السنة-أخبار كثيرة، لم يحترم منهم في ذلك كبير أحد، حتى إنه كان يغلظ لأميرهم عطية بن منصور، صاحب المدينة، كل ذلك مع حظ وافر من العبادة والذكر، وصحبة أهل الخير وخدمتهم، والإحسان إليهم، وكان ذلك دأبه من الصغر، وفيه مكارم، ولما كان قاضيا بالمدينة، أرسل إليه والده كتابا يذكر فيه: أني سألت الشيخ طلحة الهتار-أحد كبار صلحاء اليمن-أن يدعو لك، فقال لي الشيخ طلحة: إنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال له: يا سيدي يا رسول الله، خاطرك مع أحمد بن أبي الفضل، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: هو في كنفي، وأرجو يا ولدي أن تكون في كنف النبي صلّى الله عليه وسلّم في الدنيا والآخرة، مات في ليلة الأربعاء تاسع عشر شهر رجب سنة تسع وتسعين وسبعمائة بمكة ودفن بالمعلاة عند أبيه، وكثر التأسف عليه لمحاسنه، رحمه الله وإيانا، وذكره شيخنا في أنبائه، ودرره، وسبقه المجد، فقال: حفظ القرآن المجيد في صباه، وهبّ عليه من الله قبول القبول وحباه، وحفظ في الفقه والحديث والأصول، والقراءات كتبا، ورفع العلم قدره، حتى قرع من المعالي كتبا، فلما جمع مجاميع الفضائل والمعاني، وسمع من محاسنه ما أطرب النفوس بما أزرى على المباني، ناب عن والده في الحكم والخطابة بحضرة أول بيت، ومنع لنا قبل استكمال العقد الثاني، فلما ناجاه من عمره العشرون فاجأه من مصره الميسرون، وأحضروا له تقليدا بالقضاء والخطابة والإمامة بالمدينة الشريفة النبوية صلى الله على ساكنها وسلم، فأحي به ما دثر من أكثم يحيى بن أكتم، وتذكر الناس بولايته ولاية معاذ وعتاب، وسوار، وكبار الحكام الذين ولوا في عنفوان الأعمار، فتوجه إلى المدينة الشريفة في موكب من العز حفيل، والسعد يجاري عنانه، وهو بإنجاح القصد له كفيل، فباشر الوظيفة كأحسن من باشر، وعاشر الموالف والمخالف بالإحسان، فيا حسن ما عاشر، ثم بعد قليل أكثروا من القال والقيل، وحرمت عليه الأعداء المقيل، وتوسلوا إلى التهجين بكل ما إليه سبيل، وأنهوا لأرباب الدول ما في شرحه تطويل، ولم يبرح بمن ساد على الإفساد تعويل، فوقع الاتفاق على تشريكه مع شخص من أكابر مشايخ صقيل، فاستقل أحمد بالحكم والزعامة، وباشر الصقيلي الخطابة والإمامة، واستقر فيها سنة، ولم يجر الدهر لحصانه رسنه، فرجع إلى مصره، ورجع على آخره، وفجع بموته أهل نصره، وظهر له-بعد اشتهاره بالفقر-أموال، وأعاد الله الوظيفتين إلى أحمد على أحمد منوال، والويل لمن ماله من الله من وال، ومن له من التقوى لباس فماله من التقوال باس، واستقر فيها استقرار الدوحة في اللجة، وإذا ذكرته في