ومن الخيل، والبغال، والحمير، واللقاح والغنم، والسلاح، والملابس، والأواني، والكتّاب والحراس، والكتاب، المكتوب إليهم، والمؤذنين، والرسل، والأمراء، والشعراء والحداة، والضاربين لأعناق الكفار بين يديه، ما لا تحتمل هذه النبذة التعرض لسرده، فضلا عن سرد أصحابه، الذين منهم العشرة المشهود لهم بالجنة، ولو بالخلاف في حصر عدتهم إجمالا، والأصهار والأختان، والجواري والخطيب، والفارس، والراجل، والرامي، وأهل الصفة وهم عدد كثير، أفردت لهم جزءا مما لا ينافيه قول أبي هريرة «رأيت ثلاثين رجلا منهم يصلون خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم، ليس عليهم أردية» وعدّ منهم نفسه، وأبا ذر، وواثلة بن الأسقع بن طخفة الغفاري.
(وبالجملة: فلقد تصورت أني لو بسطت هذه النبذة، وما يلتحق بها، لزادت على عشرين مجلدا).
فلنرجع للنبذة الأخرى في الإشارة بألخص عبارة، لما الاهتمام باستحضاره، للزائر منهم، وللسائر الساري في القربات التي بها يلم، مما يتعلق بالمدينة الشريفة، وجهاتها المبهجة المنيفة، كأسمائها، وارتفعت لدون مائة عند المجد منها زيادة على ثلثيها، وأفضليتها على مكة، وقد ذهب لكل من القولين جماعة، مع الإجماع على أفضلية البقعة التي ضمته صلّى الله عليه وسلّم، حتى على الكعبة المفضلة على أصل المدينة، بل على العرش، فيما صرح به ابن عقيل من الحنابلة.
ولا شك أن مواضع الأنبياء وأرواحهم أشرف مما سواها من الأرض والسماء، والقبر الشريف أفضلها، لما تتنزل عليه من الرحمة والرضوان والملائكة، التي لا يعملها إلا مانحها، ولساكنه عند الله من المحبة والاصطفاء ما تقصر العقول عن إدراكه. ويعم الفيض من ذلك على الأمة، سيما من قصده وأمه، مع العلم بدفن كل أحد في الموضع الذي خلق فيه، كما ثبت في مستدرك الحاكم مما له شواهد صحيحة، و «لا يقبض الله سبحانه روح نبيه إلا في مكان طيب، أحب إلى الله ورسوله»، ولما أمر الإمام مالك المهدي-حين قدومه-بالسلام على أولاد المهاجرين والأنصار، قائلا له:«ما على وجه الأرض قوم خير من أهلها، ولا منها»، سأله عن ذلك فقال:«لأنه لا يعرف قبر نبي اليوم على وجه الأرض غير قبر نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم»، ومن كان قبره عندهم، فينبغي أن يعرف فضلهم على غيرهم فامتثل أمره.
ومن الأدلة: قوله صلّى الله عليه وسلّم «اللهم حبب إلينا المدينة، كحبنا مكة أو أشد» ودعاؤه صلّى الله عليه وسلّم