للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رجل دخلت على حرمتي»، فتواثبا واجتمع الجيران، وجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلى السلطان، وجعل فروخ يقول كذلك وكثر الضجيج، فلما أبصروا بمالك، سكت الناس كلهم، فقال مالك: أيها الشيخ، لك سعة في غير هذه الدار.

فقال: «إنها داري، وأنا فروخ مولى بني فلان»، فسمعت امرأته كلامه، فخرجت وقالت: «هذا زوجي»، وقالت له: هذا ابنك الذي خلفتني حاملا به»، فتعانقا جميعا وبكيا، ودخل فروخ المنزل، وقال: «هذا ابني»؟ قالت: «نعم». قال: «فاخرجي المال، وهذه أربعة آلاف دينار معي»، قالت: «إني قد دفنته وسأخرجه»، وخرج ربيعة إلى المسجد فجلس في حلقته، وأتاه مالك والحسن بن زيد، وابن أبي علي اللهبي، والأشراف، فأحدقوا به فقالت امرأة فروخ: «اخرج فصل في المسجد»، فخرج فنظر إلى حلقة وافرة، فأتى إليها فوقف، ففرجوا له قليلا، ونكس ربيعة رأسه يوهم أنه لم يره، وعليه طويلة، فشك فيه أبو عبد الرحمن، فسأل «من هذا؟» فقالوا: ربيعة، فرجع إلى منزله وقال لأمه: «لقد رأيت ولدك في حالة ما رأيت أحدا من أهل العلم والفقه عليها»، قالت: «فأيما أحب إليك، المال الذي تركته أو ما رأيته؟» قال: «لا، والله إلا هذا»، قالت: «فإني قد أنفقت المال كله عليه»، قال «فوالله ما ضيعتيه»، انتهى. وهي حكاية عجيبة، لكن توقف الذهبي فيها وكذبها لوجوه منها، أن ربيعة لم يكن له حلقة وهو ابن سبع وعشرين سنة، بل كان في ذلك الوقت شيوخ المدينة مثل القاسم وسالم وسليمان بن يسار وغيرهم من الفقهاء السبعة. ومنها، أنه كان مالك حين بلوغ ربيعة هذا السن فطيما، أو لم يولد بعد. ومنها أن الطويلة لم تكن خرجت للناس وإنما أخرجها المنصور، فما أظن ربيعة لبسها، وإن كان لبسها فيكون في آخر عمره، وهو ابن سبعين سنة، لا وهو شاب. ومنها: أنه كان يكفيه في المدة المذكورة ألف دينار لا أكثر. وقال عبد الرحمن بن زيد فيما سمعه ابن وهب منه إنه مكث دهرا طويلا عابدا يصلي بالليل والنهار، ثم نزع عن ذلك وجالس العلماء كالقاسم، فنطق بلب وعقل، فكان القاسم إذا سئل عن شيء، قال: سلوه، وصار إلى فقه وفضل وعفاف. وما كان بالمدينة أسخى منه، قال ابن وهب إنه أنفق على إخوانه أربعين ألف دينار ثم جعل يسأل إخوانه في إخوانه.

وعن غيره: أنه كان يقول: المروءة ست خصال، ثلاثة في الحضر تلاوة القرآن، وعمارة المساجد، واتخاذ الإخوان في الله. وثلاثة في السفر بذل الزاد، وحسن الخلق والمزح في غير معصية، ومن ذلك: قدم الزهري المدينة فأخذ بيده، ودخلا المنزل فما خرجا إلى العصر، وقال الزهري في خروجه: ما ظننت أن بالمدينة مثله. وكذا قال الآخر إلى غير هذا من الثناء عليه، وهو ممن أجمع على توثيقه، وكان يقول: مثل الذي يعجل بالفتيا قبل أن يتثبت كمثل الذي يأخذ شيئا من الأرض لا يدري ما هو. قال الأويسي عن مالك، كان

<<  <  ج: ص:  >  >>