مضت صفين والجمل، واعتزل عليا ومعاوية من عقله، فلما صفا الأمر لمعاوية وفد إليه، فأمر له بجائزة عظيمة، وولاه إمرة المدينة غير مرة، وقيل لمعاوية: من ترى لهذا الأمر بعدك؟ قال: أما كريمة قريش فسعيد، وأما فلان-وذكر جماعة. وكان مروان أمير اللمدينة ست سنين، فكان يسب عليا في الجمع، فلما عزل واستعمل هذا، كف عن ذلك. وفيه يقول الفرزدق:
ترى الغر الجحاجح من قريش … إذا ما الأمر ذو الحدثان غالا
قياما ينظرون إلى سعيد … كأنهم يرون به هلالا
ومن أخباره: أن ابن عمر أرسل إليه بعبد له سرق وهو آبق ليقطعه فأبى، وقال «إن السارق الآبق لا يقطع» أخرجه مالك في الموطأ، وخطب أم كلثوم ابنة علي بعد عمر بن الخطاب، وبعث إليها بمائة ألف، فدخل عليها أخوها الحسين فقال: لا تزوجيه، فأرسلت إلى الحسن فقال: أنا أزوجه واستعدوا لذلك، وحضر الحسن وأتاهم سعيد ومن معه، فقال سعيد: أين أبو عبد الله، قال الحسن: سأكفيك. قال: فلعل أبا عبد الله كره هذا؟ فقيل نعم، قال: لا أدخل في شيء يكرهه. وقام ولم يعرض في المال ولا أخذ منه شيئا. وكان إذا سئل فلم يكن عنده شيء يقول للسائل: اكتب علي بمسألتك سجلا إلى أيام ميسرتي، بل كان يدعو إخوانه وجيرانه كل جمعة فيصنع لهم الطعام، ويخلع عليهم الثياب الفاخرة ويأمر لهم بالجوائز الواسعة. واستسقى من دار «من دور» المدينة فسقوه ثم أن صاحب الدار عرضها للبيع لأربعة آلاف دينار كانت عليه، فقال سعيد: إن له علينا ذماما وأداها عنه، وأطعم الناس في سنة جدبة حتى أنفق ما في بيت المال وأدان فعزله معاوية لذلك. ويروى: أنه توفي وعليه ثمانون ألف درهم وترجمته طويلة. وله حادثة في الحسن بن علي بن أبي طالب. مات في قصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة، وحمل إلى البقيع وذلك في سنة تسع وخمسين، وقيل: سنة ثمان أو سبع. وأوصى إلى ابنه عمرو وأمره أن يدفنه بالبقيع، وقال: إن قليلا لي عند قومي في بري: أن يحملوني على رقابهم من العرصة إلى البقيع ففعلوا. وكذا أمر ابنه أن يركب بعد دفنه إلى معاوية، فينعاه ويبيعه منزله بالعرصة، وكان منزلا اتخذه وغرس فيه النخيل وزرع وبنى فيه قصرا معجبا، وذكر الحكاية وأنه ركب إلى معاوية فباعه منزله وبستانه المشار إليهما بثلاثمائة ألف درهم، وقيل بألف درهم، وفي هذا المكان يقول عمرو بن الوليد بن عقبة:
القصر ذو النخل والجمار فوقهما … أشهى إلى النفس من أبواب جيرون