خلافة عمر ثمان سنين، انتهى. ولد في خلافة عمر لأربع مضين منها وقيل لاثنتين، ورآه وسمع عثمان وعليا وزيد بن ثابت وسعد بن أبي وقاص وعائشة وأبا موسى الأشعري وأبا هريرة وجبير بن مطعم وعبد الله بن زيد المازني وأم سلمة وطائفة من الصحابة. وكان ملازما لأبي هريرة لكونه زوج ابنته، وعنه: الزهري وقتادة وعمرو بن دينار ويحيى بن سعيد، وبكير بن أبي نمر، وداود بن أبي هند، وآخرون. قال قتادة وغير واحد: ما رأينا أعلم منه، ونحوه قول مكحول طفت الأرض كلها في طلب العلم فما لقيت أحدا أعلم منه، وكذا قال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه وهو عندي أجلهم.
وعن مالك بلغني أنه قال: إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد. وقال ابن عمر: هو والله أحد المقيمين بل كان يرسل إليه يسأله وقال القاسم بن محمد: إنه سيدنا وعالمنا. وقال أحمد وغيره: مراسيله صحيحة وقال غيره: إنه كان يسرد الصوم ويقول: ما شيء عندي أخوف من النساء. وما فاتته التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة ولم ينظر فيها لقفا رجل يعني لمحافظته على الصف الأول ولم يأخذ العطاء، بل كانت له أربعمائة دينار يتجر بها في الزيت، وكذا كان أبوه يتجر فيه. ودعاه هشام بن إسماعيل المخزومي عامل المدينة إلى بيعة الوليد إذ عقد له أبوه عبد الملك بالخلافة فأبى وقال: أنظر ما يصنع الناس، فضربه ستين سوطا وطوف به في تبان من شعر حتى بلغ رأس الثنية، فلما كروا به قال:«إلى أين؟» قال: «إلى السجن» فقال: «والله لولا أني ظننت أنه الصلب ما لبست هذا التبان أبدا»، فردوه إلى السجن، فأنكر عبد الملك ذلك ولم يرضه وقال:
والله إنه كان أحوج إلى أن تصل رحمه من أن تضربه، وإنا لنعلم أن ما عنده شقاق ولا خلاف، ثم أطلقه هشام بعد وخلى سبيله ودخل بعضهم عليه السجن، فإذا هو قد ذبحت له شاة وجعل الإهاب على ظهره ثم جعلوا له بعد ذلك قصبا رطبا. وكان كلما نظر إلى عضديه قال اللهم انصرني من هشام، وقال لأبي بكر بن عبد الرحمن وقد دخل عليه السجن وقال له إنك أخرقت به ولم ترفق يا أبا بكر اتق الله وآثره على ما سواه، وأبو بكر يقول: إنك أخرقت به فقال والله انك أعمى البصر والقلب. وكان لا يخاف في الله لومة لائم ويقول والله لا يسلمني الله ما أخذت بحقوقه، ولقد قال بعضهم: أرى نفسه كان أهون عليه في الله من نفس ذباب، وترجمته تحتمل كراريس. وهو في التهذيب ومن قوله: من أكل الفجل فسره أن لا يوجد منه ريحه، فليذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم عند أول قضمة.
ومن مفرداته أن المطلقة ثلاثا تحل للأول بمجرد عقد الثاني من غير رط ء، وقال عن أبي هريرة: كان معاوية إذا أعطاه سكت وإذا أمسك عنه تكلم. مات سنة إحدى أو اثنتين وثلاث أو أربع وهو أكثر وتسعين، وقيل تسع وثمانين وقيل خمس ومائة والصحيح أربع وتسعون، وكان يقال لهذه السنة: سنة الفقهاء من كثرة من مات فيها منهم، وله عقب، وكان أعور. وأمه ابنة عثمان بن حكيم بن أمية بن (جارية) بن الأوقص بن مرة بن