ثم في سنة ثلاث وستين استبيحت المدينة على يد مسلم بن عقبة المقول له لإسرافه «المسرف» حيث أتى بعسكر مخذول لامتناع أهلها من المبايعة ليزيد بن معاوية، فقاتل أهلها. فهزمهم وقتلهم بحرتها، على ميل من المسجد النبوي، قتلا ذريعا، في بقايا المهاجرين والأنصار، وخيار التابعين، وقراء القرآن، وسائر الناس، واستبيحت الفروج.
فافتضت ألف عذراء، والأنفس والأموال، وجالت الخيل في المسجد النبوي، وخلى من مجمع فيه، بل قال يحيى بن سعيد: إنه لم يترك الصلاة فيه منذ كان النبي صلّى الله عليه وسلّم، إلا ثلاثة أيام يوم قتل عثمان، ويوم الحر، وسمي الثالث-ولم يلبث يزيد، ثم نائبه هذا-أن هلكا، واليوم الثالث المشار إليه هو يوم خرج به أبو حمزة الخارجي بعسكر كبير، والتقوا مع أهل المدينة بقديد في صفر سنة ثلاثين ومائة، فانهزم المدنيون، واستمر داخل المدينة، وأصيب خلق في كلا الموضعين، ولم يلبث أيضا أن هلك.
وكذا حاصر إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب في سنة إحدى وخمسين ومائتين بحيث مات أهلها جوعا، ولم يصل أحد بالمسجد النبوي، ولم يلبث أن هلك بالجدري.
وفي أيام المعتمد: قام محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة، وشرب الخمر علانية في المسجد النبوي، وفسق فيه بقينة لبعض أهلها، بل قتل أهلها سيفا وجوعا، ولم يصل بها طول مدته فيها جمعة ولا جماعة.
وفي سنة إحدى وسبعين ومائتين: قام محمد وعلي ابنا الحسين بن جعفر بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بها، فقتلا أهلها، وأخذا أموالهم، وخرباها، بحيث انقطعت الصلاة بها شهرا كاملا جمعة وجماعة، بل قتل محمد ثلاثة عشر رجلا من ولد جعفر بن أبي طالب صبرا حسبما يجيء بسط هذا في التراجم.
ثم في سنة أربع وخمسين وستمائة، كان ظهور النار بظاهرها من شرقيها، وكانت من الآيات العظام. أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، ودامت أياما وأشهرا، وظن أهلها أنها القيامة، إلى أن انطفأت عند وصولها إلى حرمها، ولكن لم تمض السنة حتى احترق المسجد النبوي بعد انطفائها ليلة استهلال رمضان، وقيل: هذا كله في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. خرجت نار بالحرة، فجاء إلى تميم الداري فانطلق معه فجعل-أعني تميما- يحوشها بيده، حتى دخلت الشعب، ودخل تميم خلفها، رواها البيهقي في الدلائل.