إراقة دمائكم، وإني أنتظر بكم ثلاثا، فمن راجع الحق قبلنا منه وانصرفت عنكم وسرت إلى هذا الملحد الذي بمكة (يعني ابن الزبير رضي الله عنه) وإن أبيتم فقد أعذرنا إليكم، فلما مضت الأيام الثلاثة قال: يا أهل المدينة، ماذا تصنعون؟ قالوا: نحارب، فقال: لا تفعلوا، وادخلوا في الطاعة، فقالوا: لا نفعل، والقصة طويلة ليس هذا محلها، كما أن سيرة عبد الملك بن مروان تحتمل كراريس، وذكر في التهذيب والخلفاء لابن حبان، وكان قد رأى في منامه (فيما قيل) إنه يبول في الجوانب الأربعة من المسجد النبوي، فقص رؤياه على سعيد بن المسيب (وقيل: على محمد بن سيرين) فأخبره:
بأنه يلي أمر الأمة أربعة من أولاده، فكان كذلك، لأنه لما مات ولي الخلافة بعده: ابنه الوليد حتى مات، ثم أخوه، ثم سليمان بن عبد الملك حتى مات، ثم يزيد بن عبد الملك، بعد عمر بن عبد العزيز، ثم هشام بن عبد الملك، ولا يعلم أحد: إنه ولي أمر الأمة أربعة نفر أولاد رجل واحد: إلا هؤلاء، أولاد عبد الملك بن مروان، ثم أولاد الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر، بل ولي الأمر من أولاد الناصر ثمانية، وعبد الملك بن مروان: ممن سمع أباه مروان وعثمان وأبا هريرة وأبا سعيد القرشي وأم سلمة وبريرة مولاة عائشة وابن عمر ومعاوية رضي الله عنهم، وروى عنه، ابنه محمد وعروة بن الزبير وخالد بن معدان، وإسماعيل بن عبيد الله ورجاء بن حيوة وربيعة بن يونس بن ميسرة والزهري وحريز بن عثمان وعمر بن سلام وطائفة، وهو ممن عده أبو الزناد في فقهاء المدينة، وقال نافع: رأيتها وما بها شاب أشد تشميرا ولا أفقه ولا أقرأ لكتاب الله منه، قال ابن حبان: وكان من فقهاء أهل المدينة وقرائهم قبل أن يلي ما ولي، وهو بغير الثقات أشبه، ومن كلماته: العبادة هي التفكر في أمر الله والورع عن محارم الله، ولما نزل مسلم بن عقبة المدينة قال لبعض من جلس معه: أمن هذا الجيش أنت؟ فقال: نعم ثكلتك أمك، أتدري إلى من تشير؟ إلى أول مولود ولد في الإسلام ومن حنكه الرسول صلى الله عليه وسلّم وابن حواريه وابن ذات النطاقين، أما، والله إن جئته نهارا وجدته صائما أو ليلا وجدته قائما، فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله جميعا في النار، قال المخاطب بذلك: فلما صارت الخلافة إلى عبد الملك وجهنا مع الحجاج حتى قلناه، ويروى أنه أطبق المصحف من حجره وقال: هذا أخو العهد بك، وهو أول من كتب على الدنانير القرآن، وكان فاسد الفم، وخلافته المجمع عليها من سنة ثلاث وسبعين، وخطب فقال: اللهم إن ذنوبي عظام وإنها صغار في عفوك فاغفرها لي يا كريم. ومات في شوال سنة ست وثمانين عن إحدى وسبعين سنة بعد أن أوصى بنيه بتقوى الله ونهاهم عن الفرقة والاختلاف، وقال: اللهم إني لم أخلف شيئا أهم إليّ من بنتي فاطمة فاحفظها، فتزوجها عمر بن عبد العزيز، وأمها: أم المغيرة بنت خالد بن العاص المخزومية ولم يكن له ابنة سواها، ومن أولاده: الوليد وسليمان