للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشهاب أحمد الصنعاني اليماني، وسمع عليه عبد الله بن محمد بن أبي القاسم فرحون، وحضر عنده النجم الطوفي الحنبلي، فتكلم معه في العلم فلم ينصفه السراج، ثم قدم الطوفي مكة فحضر عند قاضيها النجم محمد بن الجمال محمد بن المحب أحمد بن عبد الله الطبري، وتكلم معه في العلم فأنصفه وأكرمه، فقال فيهما:

سراج بالمدينة ثم نجم … بمكة أصبحا متناقضين

فهذا ما علمت له بزين … وهذا ما علمت له بشين

فأطفأه المهيمن من سراج … وأبقى النجم نور المشرقين

قال ابن فرحون: هو الشيخ الإمام العلامة، أول من أدركته من قضاتنا وأئمتنا، وكان فقيها، مجيدا، أصوليا، نحويا متفننا في علوم جمة، حدث عن الرشيد العطار وأجاز له الشرف المرسي والمنذري، وتفقه بالعز بن عبد السلام قليلا ثم بالشديد الترمنتي والبصير بن الطباح وأئمة وقته، وقدم المدينة سنة اثنتي وثمانين وستمائة متوليا للخطابة، وكان بأيدي آل سنان بن عبد الوهاب بن نميلة (الشريف الحسيني)، وكذا كان الحكم أيضا راجعا إليهم، لم يكن لأهل السنة خطيب ولا حاكم منهم، والظاهر أن ذلك منذ استولى العبيديون على مصر والحجاز، فإن الخطبة في المدينة كانت باسمهم، فلما كان في سنة اثنتين وستين وقع قحط‍ بمصر، ووباء لم يسمع في الدهور مثله، وكاد الخراب يستولي على وادي مصر حتى ذكر أن امرأة خرجت وبيدها مد جوهر لمن يأخذه بمد بر، فلم يلتفت إليها أحد، فألقته وقالت: لا أرى به شيئا لا ينفعني وقت الحاجة، فلم يلتفت إليه أحد، واشتغل العبيديون بما أصابهم من ذلك، فحينئذ غلب الخلفاء العباسيون على الحجاز، وأقيمت الخطبة لهم من ذلك العهد إلى يومنا، وكان أخذ الخطابة من آل سنان في سنة اثنتين وثمانين (كما تقدم) واستمروا حكاما على حالهم، وكان لأهل السنة إمام يصلي بهم الصلوات فقط‍، وكان السلطان بعد ذلك يبعث مع الحاج شخصا يقيم لأهل السنة الخطابة والإمامة إلى نصف السنة، ثم يأتي غيره مع الرجبية إلى ينبع، ثم إلى المدينة، وكل من جاء لا يقدر على الإقامة نصف سنة إلا بكلفة ومشقة، لتسليط‍ الإمامية من الأشراف وغيرهم عليه، ثم خطب من بعد السراج شخص يقال له شمس الدين الحلبي، ثم شرف الدين السنجاري، ثم عاد السراج فخطب بالمدينة أربعين سنة، ثم سافر لمصر ليتداوى، فأدركه الموت بالسويس متوجها إلى مصر، وذلك في سنة ست وعشرين، وكان لما استقر في الخطابة عمل معه الإمامية من الأذى ما لا يصبر عليه غيره، فصبر واحتسب، حتى أنهم كانوا يرجمونه بالحصباء وهو يخطب على المنبر، فلما كثر ذلك منهم تقدم الخدام وجلسوا بين يديه، فذلك هو السبب في إقامة صف الخدام يوم الجمعة قبالة الخطيب، وخلفهم غلمانهم

<<  <  ج: ص:  >  >>