وفريد عصره، لسان الأدب، حجة العرب، مجمع أسباب الفضائل، صاحب القصيدة الغراء الطويلة المستهلة على علم البديع التي أولها بطيبة،
بطيبة أنزل ويمم سيد الأمم … وانشر له المدح وانثر أطيب الكلم
وقد قرأها علينا رفيقه وأخوه في الله، الشيخ الإمام العالم العامل رحلة زمانه ونادرة إخوانه أبو جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني الغرناطي، بحضرته في الروضة النبوية سنة ست وستين وسبعمائة، وكانا قد سألاني أن يسمعا علي صحيح البخاري فأجبتهما لذلك اعتناء لمجالستهما واقتباسا من فوائدهما، فكان أبو جعفر هو القارئ، وإذا فرغ من المجلس أنشد بيتا من ديوان رفيقه، وهو ديوان عظيم في مجلدين، لتيسير الله تعالى النظم عليه، بحيث ذكر عنه أنه قال: أقدر أنظم في اليوم الواحد بلا كلفة ثلاثمائة بيت، بل كانت تقترح عليه وهو على السماط الأشياء فيملي فيها على الكاتب الأبيات المتعددة، بل تكلف، كل هذا مع البلاغة والفصاحة ودقة المعنى، وغالب تصانيفه منظومة، وكذا لرفيقه أبي جعفر نظم حسن بديع، وقد سبق لهما مجاورة بالمدينة أيضا سنة ست وخمسين، وانتفع الطلبة بهما في هاتين المجاورتين، وقرئ عليهما كتب متعددة في العربية والأصلين واللغة والعروض والبديع، وغيرهما، وسمع عليهما الحديث، وفي المجاورة الأولى شرح صاحب الترجمة، ألفية ابن مالك، شرحه المفيد الذي عم به النفع، واشتهر اشتهارا عظيما، ولهما معا تصانيف كثيرة وأوضاع مفيدة، ولو رمنا ذكرها ووصف محاسنها لخرجنا عن المقصود، وكذا قرئ عليّ بحضرتهما تآليفي العدة في إعراب العمدة، قراءة بحث وتفهم، وحصل بذلك خير كثير، فإني وضعته على مثال لم أسبق إليه وجبرته على منوال لم ينسخ عليه، فصوبا والحمد لله ما وضعت وشكرا إلي ما صنعت، جزاهما الله خيرا، وكان القارئ التاج عبد الواحد بن عمر بن عباد (الماضي) وأخوه هذين الشيخين واتحادهما واتفاقهما في الأخلاق والأقوال والأفعال، لم أر مثلها ولم أسمع بذلك، ولا يملك أحدهما دون أخيه شيئا ولا يتخصص عنه بشيء من أمور الدنيا، قل أو جل، ولا يلبث أحدهما غير ملبس الآخر، لكل واحد منهما مثل ما لصاحبه، إن فصلا ثيابا لمن نوع واحد ولون واحد، وكذا في العمائم والفوط والدلوف وثياب التجمل، وثياب المهنة، ولباس الشتاء والصيف، وكذا الفرش والأوطية والأنطاع والوسائد والنعال وغيرهما، وإذا لبسا لبسا لونا واحدا بياضا كان أو غيره لا يمكن أن يغير أحدهما لباسا دون الآخر، ويأكلان جميعا ويرقدان جميعا في بيت واحد، وأعرضا معا عن التزوج والتسري، رغبة في دوام الصحبة، وخوفا من أسباب الفرقة، وكان معهما مملوك لهما يخدمهما، وكان صاحب الترجمة ضريرا بسبب جدري عرض له في صغره، بعد دخوله المكتب في أواخر السنة