العامل، المتفنن، المقرئ، نائب الخطابة والإمامة بالحرم الشريف، تلى بالسبع على أبي عبد الله القصري فأتقنها، وورث منه ما كان يعلمه منها، ولكثرة ملازمته له كان يظن أنه ولده، بل كان يقول فيه وفي أخيه علي، فكان الغلامين يتيمين في المدينة، وكان أبوهما صالحا، وانتفع به أهل المدينة والواردون إليه … قاله ابن فرحون، وقال غيره:
ولد سنة ثلاث وسبعمائة، وقرأ عند أبي عبد الله محمد بن عبد الله السبتي المغربي بمكتبة ثلاثة أرباع القرآن، وأخذ عن أبي عبد الله الجيحاني شيئا من كلام شيخه داود تلميذ المرسي، وكتب مؤلفه في التصوف وأذن له فيه، وحفظ المغني مختصر التنبيه للأشرف بن البارزي، وعرضه على البرهان بن التاج وابن الفركاح في آخر سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وثلثه على المجد البصري رفيق السراج القاضي في الأخذ ظنا عن ابن عبد السلام (وكان يثني على والده ويقول: إنه كان يتمنى ولدا ذكرا) بعد أن صحح أكثره ابتداء على يعقوب بن جمال، بل كان قرأ سنة عشرين على الشرف مؤلفه بعضه، وإجازة وقراءة بحثا وتصحيحا على السراج عمر بن العراف، بإشارة القاضي شرف الدين الأميوطي، وبعض الفقه على ابن جبير عيسى الظفاري، وكذا على الفخر ابن مسكين في مجاورته بالمدينة شيئا من الفقه، والميقات على الشيخ محمد بن كامل الحسرمي، وشيئا في فرائض الوسيط والمغني بحثا عن النجم الأصفوني، ولازم القصري حتى تلى عليه السبع، وصحبه وتهذب به، وكان يقرأ له في مواعيده، وقرأ ثلاثة أرباع القرآن عن السبت المؤدب (أحد من انتفع عليه عدة من كبار الأبناء)، وكان أبو عبد الله بن فرحون والشيخ عمر الحراز يقولان له: كان أبوك من الأولياء ممن يسأل الله ولدا ذكرا يحفظ القرآن فأجيب فيك، وكذا كان افتخار الدين ياقوت (شيخ الخدام) يقول: نحن عوضنا الله أن استجاب دعاء أبيك فيك فإنه كان جارنا، فكنت أسمعه غير مرة يتمنى على الله ولدا ذكرا يحفظ القرآن فبلغه الله مقصوده، وكان الافتخار يقول صاحب الترجمة: هذا سيد الناس، وسمع على الزبير علي الأسواني والجمال المطري، وأبي عبد الله القصري، وقال: إنه صحبه سنة ثمانية عشر وسنة عشرين بعد السبعمائة في المدينة وكان يقرأ له في مواعيد وعظه شيئا من القرآن والحديث ويفسره للناس ويعظهم في المسجد النبوي بعض الأوقات في رواق المسجد المقابل لقبة الزيد، وأحيانا في صحن المسجد قبالة القبة وعند باب الرحمة، قلت: وأفرد له ترجمة سماها الدرة الفصيحة في مناقب شيخ الصدق والنصيحة، قرأ عليه معظم أبي حاتم المطري، وسمع جميعه عليه أبو الحسن علي بن محمد بن موسى المحلي سبط الزبير مع المجالس المكية وغيرها، وكذا جمع كتابا ذكر فيه جماعة ممن رآه وعرفه من العلماء الصالحين والقضاء، وخدام الحرم وعوام المسلمين المتدينين وغيرهم، وسماه تاريخ المدينة (طالعته ونقلت منه)، وأجاز له الرضي الطبري وعبد الرحمن بن مخلوف