العباس، وأبو الفضل بن الشيخ أبي السعود المنوفي القاهري الشافعي السعودي: نزيل القاهرة، والمتوفى بطيبة، ويعرف بابن أبي السعود، ولد في شوال سنة أربع عشرة وثمانمائة بمنوف العليا، ومات أبوه وهو صغير، فنشأ يتيما، فحفظ هناك القرآن وصلى به، والمنهاج، وبحث فيه وفي ألفية النحو، على البرهان الكويكي، قدم القاهرة سنة تسع وعشرين، فحفظ بها الألفية والمنهاج الأصلي، وبحث في الفقه أيضا على الزين القمني، وأظن من شيوخه:
البساطي، وكذا أخذ الفقه عن الشهاب بن المجمرة، والعلاء القلقشندي، وكثرت ملازمته له، حتى أذن له في الإفتاء والتدريس، مع يبسه في ذلك، ثم القاياتي، والوفاء والعلم البلقيني سيرا، والمحلي، وبه تخرج في الأصول، وغيره، والمناوي، وأكثر من ملازمته، وكان يبجله، ويعتقد والده، وأخذ الفرائض، والحساب وغيره عن ابن المجدي، والبوتيجي في آخرين، والعربية عن الحناوي، وعلم الكلام عن الشرواني، والطب وغيره عن الزين بن الجزري، والحديث عن شيخنا، واختص به، ولازمه في مجلس الإملاء وغيره، وكان يميل إليه حتى أنه انقطع مرة عنه، فقال: إني أحب-مع المحبة القلبية-الاجتماع الصوري، وكذا سمع على الزيون: القمني، والزركشي، وابن الطحان، والشهابين ابن ناظر الصاحبة، والكلوناتي، والعلاء بن بروس، والجمال البالسي، والشرف الواحي، وعائشة الحنبلية، وجماعة، وتقدم في الفرائض، والحساب، وتعانى الأدب، فبرع فيه وساد، وطارح الشعراء، وقال الشعر الجيد، والنثر البديع المفرد واشتهر اسمه، وبعد صيته في ذلك، وقال الوعاظ من كلامه في المحافل والمجامع، وصحب غير واحد من الرؤساء، فاختص بهم، واغتبطوا بعقله، وتحرره في منطقه، حتى إنه كان يجمع بين صحبة الأضداد، ويرى كل منهم نفسه المختص به، وناب في القضاء-مسؤولا-عن المناوي وغيره، وأضيف إليه قضاء الجزيرة، وكذا أبيار، ورام المناوي بولايته إياها كف العلاء بن اقبرس عنها، وكان يعين عليه بالشيخ ابن الشيخ، ولم يكثر من تعاطي الأحكام، وتعففه جدا، ودرس الفقه بأم السلطان، وبالقرا استقر به، وكانت محل سكنه، وهو-والحديث-بتربة الست طغاي بالصحراء، والفرائض بالسابقية، وكان الزين الاستادار عينه بمشيخة مدرسته أول ما فتحت، ثم صرفها عنه للشمس الشنشي بسفارة السقطي، ولم يكن ذلك بمانع للشهاب عن مزيد الإحسان إليه، لكونه كان صديقا للوالدة، بل حكى لي من رآه يقدم له نعله، وأعرض بأخرة عن تعاطي الشعر، بل غسل جميع ما كان عنده من نظم ونثر، بحيث لم يتأخر منه إلا ما كان برز قبل، وأكثر حينئذ من النظر في الفقه، والمداومة على الاشتغال، بل وتردد إلى الشرواني للقراءة عليه، لأجل بعض الرؤساء من أصحابه، وولع به جماعة من الشيبان ونحوهم تلحينا وردا، فتحمل، وتجرع كل مكروه من ذلك، وما وجد قائما يرد عنهم، وآل أمرهم معه إلى أن أبرز مؤلف يلقب بجامع المارداني، فيه من الهجو ونحوه ما ليس بمرض، مما الحامل عليه