مالك، إلا أن مالكا أسد تنقية للرجال منه، ولما بلغه أن مالكا لم يأخذ بحديث البيعان بالخيار، قال: يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم قال أحمد: هو أورع وأقول بالحق منه … انتهى، وقد هجره مالك لما نسب إليه من القدر، وكلهم أئمة رضي الله عنهم أجمعين ونفعنا بهم وبعلومهم، وقال الواقدي فيما رواه ابن سعد عنه: كان من أورع الناس وأفضلهم ورمي بالقدر ولم يكن قدريا، فإنه كان ينفي قولهم ويعيبه، ولكن كان رجلا كريما يجلس إليه كل أحد ويغشاه فلا يطرده ولا يقول له شيئا وإن مرض عاده، فكانوا لهذا وشبهه يتهمونه بذلك، وقال مصعب: معاذ الله أن يكون قدريا إنما كان في زمن المهدي قد أخذوا القدرية وضربوهم ونفوهم فجاء قوم منهم فجلسوا إليه واعتصموا به من الضرب فقيل هو قدري لذلك، لقد حدثني من أثق به أنه ما تكلم فيه قط، قال الواقدي: وكان يصلّي الليل أجمع ويجتهد في العبادة، ولو قيل له إن القيامة تقوم غدا، كان فيه مزيد من الاجتهاد، وأخبرني أخوه: أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما، ثم سرد الصوم، وكان شديد الحال يتعشى الخبز والزيت وله قميص وطيلسان يشتي فيه ويصيف ولا يغيره شيبة، وكان من أشد الناس صرامة وقولا بالحق ويحفظ حديثه، لم يكن له كتاب، ويروح إلى الجمعة باكرا فيصلي حتى يخرج الإمام، ورأيته يأتي دار أجداده عند الصفا فيأخذ كراءها، ولما خرج محمد بن عبد الرحمن بن حسن لزم بيته إلى أن قتل محمد، وكان الحسن بن زيد الأمير يجري عليه كل شهر خمسمائة دينار، وقد دخل مرة على عبد الصمد بن علي والي المدينة فكلمه في شيء فقال له: إني لا أراك مرائيا فأخذ عودا وقال: من أدائي؟ فو الله للناس عندي أهون من هذا، ولما ولي جعفر بن سليمان المدينة بعث إليه بمائة دينار فاشترى منها شابا كرديا بعشرة دنانير، فلبسه غمرة وقدم به عليهم بغداد فلم يزال به حتى قبل منهم فأعطوه (يعني الدولة) ألف دينار، فلما رد مات بالكوفة … انتهى، ولما حج المهدي ودخل مسجد الرسول صلى الله عليه وسلّم لم يبق أحد إلا قام، إلا هو فقال له المسيب بن زهير: قم هذا أمير المؤمنين فقال: إنما تقوم الناس لرب العالمين فقال له المهدي: دعه فلقد قامت كل شعرة في رأسي، وقال لأبي جعفر المنصور: هلك الناس فلولا أغنيتهم من الفيء فقال: ويلك لولا ما شددت من الثغور لكنت تؤتى في منزلك فتذبح فقال: قد سد الثغور وأعطى الناس من هو خير منك، فنكس المنصور رأسه وقال: هذا خير أهل الحجاز، بل قال له: ما تقول في أنك لجائر، فأخذ الربيع بلحيته، فكفه المنصور ووبخه وأمر له بثلاثمائة دينار، ولذا قال أحمد: إنه لم يهله أن قال لأبي جعفر الحق حيث قال له: الظلم ببابك فاش، قال أبو جعفر: دعا الرشيد فقهاء أهل المدينة وهو ومالك فيهم، وسألهم عن سيرته فكلهم قال:
ما حضره من تحسين ما هو عليه، وابن أبي ذئب ساكت فسأله عن ذلك، فقال: إن رأي أمير المؤمنين أن يعفيني فعل فقال له: بل أسألك أن تصدقني فقال: أما إذا سألت