للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اسمه محمد، وكان له في كل يوم وليلة ثلاث ختمات، وترك أهله وإخوانه بتونس، وهاجر إلى الله ورسوله، وجمع ديوانا كبيرا يشتمل على مدائح نبوية، وقال لي: إنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه، وإنه أنشده بعض قصائده فيه، فبصق في فيه، وقال له: لا فض فوك، فلم يسقط‍ له سن، وكان قد جاوز السبعين حين إخباره لي بذلك، ولقد أعطيته خشكنانة قديمة يابسة، لا تكاد تنكسر إلا بالحجر، فأخذها وقرضها، كأنها قطعة سكر، بل كان يأخذ الدرهم النحاس فيقطعه بأسنانه نصفين، وكان أعجوبة الزمان، وطرفة الإخوان، من أدب وشعر وحكايات، من جلس إليه لا يكاد يحب فراقه، حسن البديهة، سريع الجواب، حكى لنا أنه كان ساكنا بمدرسة في تونس، قال: فنزلت يوما في درجتها وكنت عجلا، واتفق أن كان قاضي القضاة-ابن عبد الرفيع-طالعا في الدرجة، ولم أشعر به، فلما سمع حسي، قال -قبل أن يراني-: من النازل؟ فقلت: الطالع، فغضب عليّ، وأمر بإخراجي من المدرسة، وله من أمثال هذا كثير، كما سيأتي بعضه في ترجمة السراج الدمنهوري، ومن شعره:

بلغت بشعري في الصبا وعقيبه … جميع الأماني من جميع المطالب

فلما رأت عيناي سبعين حجة … قريبا هجرت الشعر هجر الأجانب

أيجمل بالشيخ الذي ناهز الفنا … بقاء على ذكر الصبا والكواعب؟

حثثت السرى ليل الشباب فكيف لا … أريح لذي صبح المشيب بجانب

لعمري فإن العمر يوم وليلة … يكران، والدنيا مناخ لراكب

وله في معنى قول الحكماء: من طال عمره كانت مصيبته في أحبابه، ومن قصر عمره، كانت مصيبته في نفسه.

إذا طال عمر المرء سر وساءه … على أي حال كان فقد الحبائب

وفي نفسه، إن مات قبل انتهائه … مصيبته، فالمرء رأس المصائب

وهو مسبوق بما قيل:

المرء رهن مصائب لا تنقضي … حتى يواري جسمه في رمسه

فمؤجل يلقي الردى في غبره … ومعجل يلقى الردى في نفسه

وأنشد لنفسه في يوم عيد:

إن عيدا بطيبة وصلاة … بمصلى الرسول في يوم عيد

نعم ضاق واسع الشكر عنها … فهي بشرى لكل عيد سعيد

كم تمنيتها فنلت التمني … آخر العمر من مكان بعيد

وإذا كان في البقيع ضريحي … وتوسدت طيب ذلك الصعيد

<<  <  ج: ص:  >  >>