والسنة، كان يتناول الخشكنانة العتيقة التي تحاكي الحجر، فيقرضها قرضة الصبي الحرر، وقال ابن صالح: الشيخ الصالح الأديب، ملازم للتلاوة، ومدح النبي صلّى الله عليه وسلّم، هاجر إلى المدينة، وكانت أول مجاورته سنة عشرين، فالله أعلم، واجتمع فيها بأبي عبد الله القصري، وحضر حلقته، بل كان اجتمع به في تونس وعرفه، وكان يعظم القصيري كثيرا، وكان ضعيف البصر، ويقرأ كل يوم ختمة درجا، وفي بعض الأوقات ختمتين في اليوم والليلة، ومن قصائده:
حضرنا مسجد الهادي الشفيع … وجئنا لندفن بالبقيع
وكذا من نظمه:
إذا كان قبري في البقيع بطيبة … فلا شك أني في حمى صاحب القبر
نبي الهدى المبعوث من آل هاشم … عليه صلاة الله في السر والجهر
وهما مكتوبان في البقيع على عدة من القبور، الحمى حمى الله وحده، وكان فيه انبساط، وله فضيلة واستحضار فضائل، واجتماع بكبار من الفضلاء، وبقي في المدينة مدة سنين، ملازما للتلاوة، وللصف الأول في الصلوات غالبا، حتى مات بالمدرسة الشهابية، ودفن بالبقيع كما أحب، وممن أخذ عنه: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن مرزوق، وذكره شيخنا في الدرر فقال: في كونه آبائه أربعة عشر أبا في نسق لم يوجد نظيره إن كان تونسيا، فقدم القاهرة، وكان كثير الهجاء والوقيعة، ثم قدم المدينة، فجاور بها وتاب، والتزم أن يمدح النبي صلّى الله عليه وسلّم خاصة إلى أن يموت، فوفى بذلك، ثم أراد الرحلة عنها، فذكر أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في النوم، فقال له: يا أبا البركات، كيف ترضى بفراقنا؟ فترك الرحيل، فأقام بها حتى مات وسمى نفسه عاشق النبي، روى عنه من شعره أبو حيان، والبهاء بن إمام المشهد، ومنه:
فررت من الدنيا إلى ساكن الحمى … فرار محب عابد لحبيبه
لجأت إلى هذا الجناب وإنما … لجأت إلى سامي العماد رحيبه
وهي طويلة، كذا اختصره الصفدي، وقرأت في «دمية القصر» لابن فضل الله العمري، قال:
صاحبنا البهاء بن إمام المشهد، ذكر لي أن صاحب تونس بعث يطلب منه العودة إلى بلده، ويرغبه، فذكر أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في تلك الليلة، فأطعمه ثلاث لقم من دشيشة الشعير، قال: وقال لي كلاما لا أقوله لأحد، غير أن في آخره «واعلم أني عنك راض» فعمل هذه الأبيات التي منها المقطوع المذكور، وأنشد له: