تحته فهو له كثيرا كان أو قليلا، وإذا أطعم الفقراء لم يدع في بيته قمحا ولا سمنا ولا عسلا بل يعمل لهم الجميع، حتى أنه عمل يوما للفقراء طعاما ولم يجد له أداما غير برنية شراب أهديت له لمرض كان به، فأمر بصبها وائتدامهم بها، وظهرت له في الناس كرامات وأخبار بالمغيبات حتى انعطف الناس عليه لعلمه وعمله وكرمه وحسن خلقه، وكان مع ذلك مهيبا في جماعته بل في الحرم كله. قال لي من أثق به: إنه كان إذا دخل المسجد خضع له كل من فيه كبير وصغير، ومتى رأى منكرا غيره بلسانه أو بيده ولا يأتيه مظلوم إلا شفع له، فإن أجيب وإلا عجلت عقوبة الظالم في الوقت، أخبرني من أثق به: أن الشيخ أبا العلاء إدريس تكلم بكلام وصل إلى الأمير جماز، فغضب عليه وأمر بإخراجه من المدينة، وذلك أن شيخ الخدام في وقتهم كان يحسن إليه وإلى سائر المجاورين ويفرق عليهم من السنة إلى السنة قدر كفايتهم وعيالهم، وكان شيخ الخدام يومئذ يجري في الأوقاف مجرى أهل المدينة في مغارساتهم ومعاملاتهم على جاري العادة في المدينة وأحكام قضاتها، ولهم عادة في المغاربة غير جائزة بإجماع الأئمة، والأملاك لا تعمر إلا بها ولا يرغب في خدمتها إلا من يأخذها بذلك، فبلغ ذلك أبا العلاء المذكور وكان من الورعين الزاهدين، فلما جاء وقت تفرقة التمر على المجاورين أرسل إليه بنصيبه على العادة، فتورع ورده، وجاء الشيخ وقال له: لأي شيء ترد التمر، وأنت لم تزل تأخذه؟ فإذا كنت غنيا عنه صرفته على مستحقيه ولا ترده في وجهي؟ فقال له: أنت خالفت في الأوقاف المعاملة الشرعية وعملت فيها بما لا يجوز وأدخلت علينا الشبهة فيما نتناوله منها، وهذا لا يجوز لك ولا يحل لنا أن نأخذه منك. فاشتد عليه كلامه وكون ذلك ينقل عنه وكانوا يغارون على عرضهم ودينهم من مثل هذا ودونه وكأنه شكى حاله معه إلى الأمير جماز، وكان بينه وبين الشرفاء خلة وصحابة أكيدة، فاغتاظ الأمير وأمر بإخراج أبي العلاء من المدينة. فبلغ ذلك صاحب الترجمة والجماعة، فعز عليهم وأرسل إليه صاحب الترجمة ليترك له صاحبه ولا يشدد عليه ويرد الأمير عنه فلم يفعل، فقيل لي: إنه بعث إليه جماعة من أصحابه بعد العشاء فدخلوا عليه بيته فوجدوه مضطجعا على سريره، فوقفوا بين يديه كاشفين عن رؤوسهم في الاستغفار فغفل عنهم، فنام وعليه النوم، فما استيقظ حتى ذهب جانب من الليل، فوجدهم قياما على حالهم، فعز عليه وقال: اذهبوا حتى يأتيني هو بنفسه أو نحو ذلك.
فرجعوا بدون قضاء حاجة وأخبروا صاحب الترجمة بذلك، فاغتاظ وخرج لصلاة الصبح، فاجتمع بالقويطي بن أبي النصر مفتي الإمامية وشيخهم وكان يعتقد (في) صاحب الترجمة، فحكى له الحكاية، فجاء إلى شيخ الخدام فكلمه فأنعم له وقبل شفاعته ثم جاء وأعلم صاحب الترجمة بذلك ليكون له عليه بذلك يد، فلما خرج، جمع صاحب الترجمة أصحابه وحكى لهم ما جرى من شيخ الخدام في عدم قبول