الفقراء وقبوله ابن أبي النصر، فتغيرت خواطرهم عليه فمرض من حينه واشتكى حتى طلب منهم المحاللة والرضى فنفذ فيه السهم وانقضى الأمر، فقضى. وأخبرني الجمال المطري وكان ملازما خدمتهم لأن مسكنه في الحجرة التي عند باب رباطهم أن صاحب الترجمة لما دخل مكة قصد زيادة النجم الأصبهاني، فلما جلس إليه أراد أن يسأله عن اسمه، فبدره وقال: اسمي مكتوب بين عينيك، ففهم مقاله، وأنه كاشفه وأنه اسمه كإسمه عبد الله، واتفق أنني لما عزمت على التوجه لمكة من طريق الماشي في حال الشبوبية سنة عشر وسبعمائة ظنا، جاء أبي إليه وأعلمه بذلك، فأمره أن يرسلني إليه فجئته، فقال لي: بلغني أنك تريد مكة؟ فقلت: نعم لأجل العمرة في رمضان، فقال لي: من رفقتك؟ فذكرت له جماعة من الفراشين وغيرهم، فقال لي: ليس في هؤلاء من هو من جنسك ولا من تليق بك مرافقتهم ولكن اصبر قليلا حتى ننظر لك رفقاء، فقلت له: قد ضاق الوقت ومضى أكثر رمضان، فقال لي: اسمع ما أقول لك فذهبت عنه ووثقت بوعده. فما كان إلا قليلا، وورد الشيخ محمد بن عمران الخضري وجماعة من الصالحين للزيارة فدعاني الشيخ وقال: سافر مع هذا، فسافرت معهم. فرأيت منه ومن أصحابه من الخدمة والمؤانسة ما لو كان والدي معي لم يبلغه ولم أحمل معهم سوى عصاي، فدخلت مكة ليلة ثامن عشري رمضان وخرجت يوم العيد متوجها إلى المدينة مع الشيخ الصالح محمود اللاري، ذي الأخلاق الحميدة والمعاشرة الجميلة والديانة التامة والمبادرة لانتظار الصلاة من أول الوقت، فصحبته بإشارة الشيخين أبوي عبد الله النحوي والشريف الفاسي، فكان نعم الصاحب … ووصلت المدينة في ستة أيام. وكان ذلك كله ببركة رأي صاحب الترجمة وخاطر والدي، وكان صاحب الترجمة قد ابتلي في آخر عمره بالبواسير وانقطع في بيته لذلك ولزم حجرته وقاسى منه مقاساة شديدة بحيث كان يقول: لو جاز لي سؤال الموت لسألته، من شدة ما قاسى، وله من المناقب والأحوال العلية ما لا أحصيه، وهو صاحب القصيدة الجليلة السائرة المباركة التي أولها:
دار الحبيب أحق أن تهواها … وتحن من طرب إلى ذكراها
ورأى بعض الصالحين، وأشك أهو صاحبها، أو غيره؟ -النبي صلى الله عليه وسلّم في المنام فأنشده إياها، فلما بلغ آخرها، وهو قوله:
والحمد لله الكريم، وهذه … كملت وظني: أنه يرضاها
قال له صلى الله عليه وسلّم: رضيناها، رضيناها، وممن أخذ عنه عبد الواحد الجزولي الآتي، وذكره المجد فقال: الشيخ أبو محمد ذو المقامات الفاخرة والكرامات الظاهرة والولاية العلية والعناية الجلية والزند الوري بالأنوار والقلب الروي بالأسرار. كان أعبد مشايخ أهل عصره وأزهدهم وأقدرهم على الرياضة وأجهدهم وأعلاهم في الطريق عنانا