غاية الكثرة، وأخذ عنه علماء الديار المصرية وغيرهم وأثنوا على فضائله، وأخذت عنه الكثير بقراءتي وسماعا، وبعد انصرافه من المدينة أقام بالقاهرة مشتغلا بالتصنيف والإفادة والإسماع حتى مضى لسبيله محمودا، وقال الصلاح الأقفهسي في معجم الحافظ الجمال بن ظهيرة، وكل منهما ممن أخذ عنه رواية ودراية، وبرع في الحديث متنا وإسنادا، وشارك في الفضائل، وصار المشار إليه بالديار المصرية وغيرها بالحفظ والإتقان والمعرفة مع الدين والصيانة والورع والعفاف والتواضع والمروءة والعبادة، ومحاسنه كثيرة، وقد رأيت الأقفهسيّ مدحه بقصيدة أولها:
حديث وجدي في هواكم قديم … والصبر ناء واشتياقي مقيم
وكذا مدحه بالنظم غير واحد وترجمته محتملة للبسط، وهو مترجم في عدة معاجم وفي القراء والحافظ والفقهاء والرواة والمصريين، وكذا ترجمته في المدنيين، وقال المقريزي في السلوك: شيخ الحديث، انتهت إليه رياسته، ولم يزد، وقال ابن قاضي شهبة: وذكر لنا أنه كان معتدل القامة، إلى الطول أقرب، كث اللحية، يصرع بكلامه أرباب الشوكة، لا يهاب سلطانا، فضلا عن غيره، وفيمن أخذت عنه: خلق ممن أخذ عنه رواية ودراية، أجلهم: شيخنا، ثم مستمليه الشرف المراغي والعز بن الفرات والشهاب الحناوي والعلاء القلقشندي، وتأخر من روى عنه بالسماع إلى بعد الثمانين بقليل وبالإجازة زينب الشوبكية، وكان للأمراء في أواخر ذاك القرن اعتناء بالعلماء، فكان لكل أمير عالم بالحديث يسمع الناس ويدعو الناس للسماع، فاتفق أن الجلال عبيد الله الأردبيلي والد البدر بن عبيد الله، أحد مشاهير الحنفية، وكان ممن يتردد لنوروز بسبب إسماع الحديث عنده فقيل له: إن شيخ الحديث هو العراقي، فاستدعي به، فلما حضر، قال عبيد الله: مرسومكم قد حصل الاستغناء عنه، فقال: بل كونا معا، والظاهر: أن العراقي قد ترك المجيء، ومن ثم فإن أميره كان إما أن يتمش صاحب المدرسة التي بباب الوزير، أو يشبك الناصري الكبير، فقد حكى لنا المحب ابن الأشقر: أنه سمع على العراقي كلا الصحيحين بمجلسه وأن الشيخ لم يكن يجلس إلا على طهارة، فكان إذا أحدث قطع القارئ القراءة حتى يتوضأ ولا يسمح بالمشي على بساط الأمير بدون حائل، انتهى، ويحتمل إسماعه عند الجميع، ومات عقب خروجه من الحمام في ليلة الأربعاء من شعبان سنة ست وثمانمائة بالقاهرة، ودفن بتربتهم خارج باب البرقية، وكانت جنازته مشهورة، وقدم للصلاة عليه الشيخ شهاب الدين الذهبي، ومات وله إحدى وثمانون سنة وربع سنة، نظير عمر السراج البلقيني، قال شيخنا: وفي ذلك أقول:
لا ينقضي عجبي من وفق عمرهما … العام كالعام حتى الشهر كالشهر