لشدة ممارسته أكثر استحضارا للمتون من شيخه حتى يظن من لا خبرة له: أنه أحفظ منه، وليس كذلك، لأن الحفظ المعرفة، قال: وقد لازمته عشر سنين سوى ما تخللها من الرحلات، وكذا لازمه البرهان الحلبي نحوا من عشر سنين، وقال أيضا: لم أر أعلم بصناعة الحديث منه، وبه تخرجت، وقد أخبرني: أنه عمل تخريج أحاديث البيضاوي بين الظهر والعصر، وكان كثير الحياء والعلم والتواضع، محافظا على الطهارة، نقي العرض، وافر الجلالة والمهابة، على طريق السلف، غالب أوقاته في تصنيف أو اسماع مع الدين والأوراد وإدامة الصوم وقيام الليل، كريم الأخلاق، حسن الشيم والأدب والشكل، ظاهر الوضاءة، كان وجهه مصباح، ومن رآه عرف أنه رجل صالح، قال: وكان عالما بالنحو واللغة والغريب والقراءات والحديث والفقه وأصوله، غير أنه غلب عليه فن الحديث فاشتهر به، وانفرد بالمعرفة فيه مع العلو، قال: وذهنه في غاية الصحة، ونقله نقر في حجر، قال: وكان كثير الكتب والاجزاء، لم أر عند أحد بالقاهرة أكثر من كتبه وأجزائه، ويقال: إن ابن الملقن كان أكثر كتبا منه، وابن المحب كان أكثر اجزاءا منه، قال: وله نظم وسط وقصائد حسان، ومحاسنه كثيرة، وذكره ابن الجزري في طبقات القراء فقال: حافظ الديار المصرية ومحدثها وشيخها، وقال في خطبة عشارياته: وكان بعض شيوخنا من كبار الحفاظ (رحمهم الله) قد جمع أربعين حديثا عشارية الإسناد ولم يكن أعلى منه في عصره في أقطار الأرض، فرأيت أن أقتدي به في ذلك، لأني له في كبار شيوخه موافق ومشارك، فصاحب الترجمة: هو المعني بهذه الإشارة، بل قال في كتابه في علوم الحديث-في الوفيات، وقد ختم بها الكتاب، آخر حفاظ الحديث وممليه وجامع أنواعه والمؤلف فيه، وبه ختم أئمة هذا العلم، وبه ختمت الكتاب، والله الموفق للصواب، وقد قلت لما بلغتني وفاته وأنا بسمرقند:
رحمة الله للعراقي تترى … حافظ الأرض حبرها باتفاق
إنني مقسم إليه صدق … لم يكن في البلاد مثل العراقي
وكتبت إلى ولده العلامة ولي الدين أبي زرعة أحمد، وهو أفضل من قام بعد أبيه، ومن لا نعلم في هذا الوقت له شبيه، وهو بالديار المصرية، أبقاه الله للإسلام، وفيه أحسن تورية وألطف إبهام:
وليّ العلم صبرا على فقد والد … رؤوف رحيم للورى خير مؤمل
إذا فقد الناس العراقي حافظا … إمام هدى حبرا فأنت لهم وليّ
وقال التقي الفاسي في ذيل التقييد: كان حافظا متقنا عارفا بفنون الحديث والفقه والعربية، وغير ذلك، كثير الفضائل والمحاسن، متواضعا ظريفا ومسموعاته وشيوخه في