حكى أن شيخه السيد الطباطبي كان بخلوته في جامع عمرو، فتسلط عليه قرقماش الشعباني (الناظر له) وأخرجه منها، فلما أصبح السيد جاءه شخص وقال له: رأيتك الليلة في المنام جالسا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلّم وهو ينشدك:
يا بني الزهر أو النور الذي … ظن موسى أنهار قبس
لا أوالي الدهر من عاداكم … إنه آخر شطر من عبس
يشير إلى أن أولئك هم الكفرة الفجرة، ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلّم عذبة بسوط في يده فعقدها ثلاث عقدات، قال القاضي: وكان من تقدير الله أن ضرب رأس قرقماس، فلم تزل إلا بثلاث ضربات بحيث كان ذلك الصوت من قبيل {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ،} ثم قال القاضي: يا فلان إذا قام الفقير بخلوة فاخرج منها، فجلس في موضع نبض الله له عمارته، ولو كان مزبلة، قال السيد: فعلمت أن شيخنا يعنيني بجملة كلامه الأول، ولم أعلم أنه يعنيني بالجملة الأخيرة ولا حكمة عطفها على ما قبلها إلا بعد مضي نحو سبعة عشرة سنة فإني فارقته عقب ذكره لذلك سنة سبعين وسافرت (وقد تركت الزوجة والوظائف)، مع والدتي إلى الحجاز للحج بحرا في ذي القعدة وكدت أدرك الحج فلم يمكن، وتألمت لذلك شديدا وحصل لي كسر عظيم فنظرت شرح الأسماء للقشيري وأنه حكى عن بعضهم ممن حج سبعين حجة وأنه رأى في منصرفه من آخرها شخصا باكيا لفوات إدراكه الوقوف فقال له: هب على انكسارك وأهب لك جميع حجاتي، قال:
فسرى عني وجاورت بمكة .... سنتين، وفي أثناء الأولى منهما جاءني العلم بوفاة شيخنا الشمس الشرواني في رجوعه للقاهرة، فتكلم لي في خلوة مع كوثر (أحد الخدام) وأعلمه بحالي، فأرسل إلى شيخهم بعد انفصال الموسم بمفتاح خلوة، دخل مؤخر المسجد بجانب المنارة الغربية الشمالية ولا سقف لها، وكان قد اتفق أن البرهاني ابن ظهيرة (قاضي مكة) كتب لقاضي المدينة الركوي بما ينفعه عند الله، فصار يتردد إليّ بحيث توسل بي عنده بعض المعتبرين في بعض مآربه، بل أحضر صالح سقف الخلوة وغيره، ولم يلبث أن سافر إلى الروم فصار أخوه الصلاحي يقرأ عليّ، فاتفقت المرافعة فيه من الصلاح وغيره، فألقى الشيطان في مخيلته كون ذلك بتحريكي، فبادر إلى تحريك أحد شيوخ الخدام بحيث رأيت ما وصف شيخنا من إقبال الناس، ثم ما أشار إليه من الانحراف مما أعظم أسبابه إجابة المستفتين عن المسائل العلمية، فأغرى المستقر حينئذ في مشيخة الحرم، وكان يعرفني وذلك قبل وصوله لمحل ولايته، واستكتبه كتابا يتضمن الأمر بإخلاء الخلوة التي كنت بها ويوضح زيت المسجد بها، فرأيت ليلة مجيء كتابه والدي بالمقام جالسا بالمصلى النبوي من الروضة الشريفة وأنا خلفه بها وهو في غاية الحزن والكآبة، فسألته عن سبب ذلك فقال: ألبسس في مؤخر