وضموا إليها التثليث، ودخلوا في دين الملوك الذين غيروا وبدلوا، وتركوا الترهب ولم يبق على دين عيسى إلا قليل منهم، وهم المرادون بقوله:(فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) الذي يستحقونه بالإيمان، وذلك لأنهم آمنوا بعيسى وثبتوا على دينه حتى آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم لما بعثه الله.
(وكثير منهم فاسقون) أي: خارجون عن الإيمان بما أمروا أن يؤمنوا به، ووجه الذم لهم على تقدير أن الإستثناء منقطع، أنهم قد كانوا ألزموا أنفسهم الرهبانية معتقدين أنها طاعة، وأن الله يرضاها، فكان تركها وعدم رعايتها حق الرعاية يدل على عدم مبالاتهم بما يعتقدونه ديناً، وأما على القول بأن الإستثناء متصل، وأن التقدير: ما كتبناها عليهم لشيء من الأشياء إلا ليبتغوا بها رضوان الله، بعد أن وفقناهم لإبتداعها، فوجه الذم ظاهر.
عن " ابن مسعود في الآية قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله قلت لبيك يا رسول الله ثلاث مرات، قال: هل تدري أي عرى الإسلام أوثق؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أفضل الناس أفضلهم عملاً إذا فقهوا في دينهم يا عبد الله هل تدري أي الناس أعلم؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس، وإن كان مقصراً بالعمل، وإن كان يزحف على استه، واختلف من كان قبلنا على اثنتين وسبعين فرقة، نجا منها ثلاث، وهلك سائرها، فرقة وازرت الملوك وقاتلتهم على دين الله وعيسى ابن مريم، وفرقة لم تكن لهم طاقة على موازرة الملوك فأقاموا بين ظهراني قومهم، فدعوهم إلى دين الله ودين عيسى، فقتلهم الملوك ونشرتهم المناشير، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازرة الملوك ولا بالمقام معهم، فساحوا في الجبال وترهبوا فيها، وهم الذين قال الله:
(ورهبانية ابتدعوها) إلى قوله: (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ)، وهم الذين آمنوا بي وصدقوني، (وكثير منهم فاسقون)، هم الذين