(وقدمنا إلى ما عملوا من عمل) هذا وعيد آخر، وذلك أنهم كانوا يعملون أعمالاً لها صور الخير، من صلة الرحم، وإغاثة الملهوف، وإطعام الطعام، وأمثالها ولم يمنع من الأثابة عليها إلا الكفر، الذي هم عليه فمثلت حالهم وأعمالهم، بحال قوم خالفوا سلطانهم، واستعصوا عليه، فقدم إلى ما معهم من المتاع فأفسده، ولم يترك منه شيئاً، وإلا فلا قدوم هاهنا أو هو من الصفات، كالمجيء والنزول، فيجب الإيمان به من غير تأويل، ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تشبيه، ولا تمثيل، كما هو مذهب السلف الصلحاء، وهو الحق.
قال الواحدي: معنى قدمنا عمدنا، وقصدنا، يقال: قدم فلان إلى أمر كذا إذا قصده، أو عمده، وقيل هو قدوم الملائكة أخبر به عن نفسه تعالى والقصد في حق الله يرجع لمعنى الإرادة.
(فجعلناه هباء منثوراً) أي باطلاً، لا ثواب له، لأنهم لم يعملوا لله عز وجل ومنه الحديث الصحيح " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد "(١) والهباء واحده هباءة، والجمع أهباء. قال النضر بن شميل: الهباء التراب الذي تطيره الريح، كأنه دخان. وقال الزجاج: هو ما يدخل من الكوة مع ضوء الشمس شبه الغبار. وكذا قال الخليل، والأزهري. وقال ابن عرفة: الهباء، والهبوة التراب الدقيق. وقيل هو ما يسطع من حوافر الدواب، عند السير من الغبار، وعن علي قال: الهباء شعاع الشمس، الذي يخرج من الكوة، وعنه الهباء وهج الغبار، يسطع، ثم يذهب، فلا يبقى منه شيء.
وعن ابن عباس قال: الهباء الذي يطير من النار إذا اضطرمت يطير منها الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئاًً، وعنه قال: هو ما تسفي الريح، وتبثه من