(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً) الزحف الدنو قليلاً قليلاً وأصله الإندفاع على الآلية ثم سمى كل ماش في الحرب إلى آخر زاحفاً، والتزاحف التداني والتقارب، يقال زحف إلى العدو زحفاً وازدحف القوم أي مشى بعضهم إلى بعض، ويطلق على الجيش الكثير زحف تسمية بالمصدر والجمع زحوف، أي حال كونكم زاحفين إلى الكفار أو حال كون الكفار زاحفين إليكم أو متزاحفين على أدبارهم في بطء السير، وذلك لأن الجيش إذا كثر والتحم بعضهم ببعض يتراءى أن سيره بطيء وإن كان في نفس الأمر سريعاً فالمقصود من هذه الحال بعد كون المراد التشبيه ما يلزم هذه المشابهة وهو الكثرة أي مجتمعين كأنهم لكثرتهم يزحفون.
(فلا تولوهم الأدبار) أي ظهوركم منهزمين منهم، فإن المنهزم يولي ظهره ودبره. نهى الله المؤمنين أن ينهزموا عن الكفار إذا لقوهم وقد دب بعضهم إلى بعض للقتال وظاهر هذه الآية العموم لكل المؤمنين في كل زمن وعلى كل حال إلا في حالة التحريف والتحيز.
وقد روي عن عمر وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأبي بصرة وعكرمة ونافع والحسن وقتادة وزيد بن أبي حبيب والضحاك أن تحريم الفرار من الزحف في هذه الآية مختص بيوم بدر، وأن أهل بدر لم يكن لهم أن ينحازوا، ولو انحازوا لانحازوا إلى المشركين إذ لم يكن في الأرض يومئذ مسلمون غيرهم ولا لهم فئة إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأما بعد ذلك فإن بعضهم فئة لبعض، وبه قال أبو حنيفة، قالوا ويؤيده قوله: