(وإذا قيل لهم) أي لعوامهم المعبر عنهم بالأكثر (تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول) أي إلى كتاب الله وسنة رسوله وحكمهما (قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) وهذه أفعال آبائهم وسننهم التي سنوها لهم، وصدق الله سبحانه حيث يقول (أو) الواو للحال دخلت عليها همزة الاستفهام للإنكار والتعجيب، وقيل للعطف على جملة مقدرة وهو الأظهر أي أحسبهم ذلك و (لو كان آباؤهم) جهلة ضالين (لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون) وقد تقدم الكلام على مثل هذه الآية في البقرة، وقال هنا:(ما وجدنا) وهناك ما ألفينا، ولا يعلمون هنا ولا يعقلون هناك للتفنن وأساليب من التعبير، وهذا مما
استحسنه أبو حيان والسمين.
والمعنى أن الاقتداء إنما يصح بالعالم المهتدى الذي يبنى قوله على الحجة والبرهان والدليل وأن آباءهم ما كانوا كذلك فكيف يصح الاقتداء بهم.
وقد صارت هذه المقالة التي قالتها الجاهلية نصب أعين المقلدة وعصاهم التي يتوكؤون عليها إن دعاهم داعي الحق وصرخ بهم صارخ الكتاب والسنة، فاحتجاجهم بمن قلدوه ممن هو مثلهم في التعبد بشرع الله مع مخالفة قوله لكتاب الله أو لسنة رسوله هو كقول هؤلاء، وليس الفرق إلا في مجرد العبارة اللفظية لا في المعنى الذي عليه تدور الإفادة والاستفادة، اللهم غفراً.
وكثيراً ما نسمع من أسراء التقليد الذين يعرفون الحق بالرجال لا بالاستدلال إذا قال لهم القائل الحق في هذه المسألة كذا أو الراجح قول فلان قالوا لست أعلم من فلان يعنون القائل من العلماء بخلاف الراجح في تلك