(وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم) هذا تقريع لهم، وتوبيخ من جهة الله سبحانه أو من كلام الجلود، أي ما كنتم تستخفون عند الأعمال القبيحة وارتكاب الفواحش بالحيطان والحجب، حذراً من شهادة الجوارح عليكم، بل كنتم جاحدين بالبعث والجزاء أصلاً وهو قول أكثر العلماء. ولما كان الإنسان لا يقدر على أن يستخفي من جوارحه عند مباشرة المعصية كان معنى الاستخفاء هنا ترك المعصية، وقيل: معنى الاستتار الاتقاء أي ما كنتم تتقون في الدنيا أن تشهد عليكم جوارحكم في الآخرة، فتتركوا المعاصي خوفاً من هذه الشهادة، ومعنى أن تشهد لأجل أن تشهد، أو مخافة أن تشهد، وقيل إن الاستتار مضمن معنى الظن، أي وما كنتم تظنون أن تشهد وهو بعيد.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد والنسائي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن معاوية ابن حيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تحشرون ههنا وأوما بيده إلى الشام مشاة وركباناً وعلى وجوهكم، وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام وأول ما يعرب عن أحدكم فخذه وكفه وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كنتم تستترون " الخ.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال: " كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشي وثقفيان أو ثقفي وقرشيان، كثير لحم بطونهم قليل فقه قلوبهم، فتكلموا بكلام لم أسمعه فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هذا؟ فقال الآخر: إن لنا آنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه، وإنا إذا لم نرفعه لم يسمعه، فقال الآخر إنه إن سمع منه شيئاًً سمعه كله، قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: وما كنتم تستترون أن