(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) قيل هذا خطاب مع ملائكة الأرض والأصح أنه خطاب مع جميع الملائكة وهو الظاهر من قوله (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) والسجود معناه في كلام العرب التذلل والخضوع، وغايته وضع الوجه على الأرض، والإسجاد إدامة النظر، وفي هذه الآية فضيلة لآدم عليه السلام عظيمة حيث أسجد الله له ملائكته وقيل أن السجود كان لله ولم يكن لآدم، وإنما كانوا مستقبلين له عند السجود، ولا ملجأ لهذا فإن السجود للبشر قد يكون جائزاً في بعض الشرائع بحسب ما تقتضيه المصالح، وقد دلت هذه الآية على أن السجود لآدم وكذلك الآية الاخرى أعني قوله (فإذا سويته ونفخت فيه من روحيِ فقعوا له ساجدين) وقال تعالى (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً) فلا يستلزم تحريمه لغير الله في شريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يكون كذلك في سائر الشرائع.
ومعنى السجود هنا وضع الجبهة على الأرض وإليه ذهب الجمهور، قال قوم هو مجرد التذلل والانقياد والاول أولى، وقد وقع الخلاف هل كان السجود من الملائكة لآدم قبل تعليمه الاسماء أم بعده؟ وقد أطال البحث في ذلك البقاعي في تفسيره، وظاهر السياق أنه وقع التعليم وتعقبه الأمر بالسجود وتعقبه إسكانه الجنة ثم إخراجه منها وإسكانه الأرض.
وفي هذه الآية دليل لمذهب أهل السنة في تفضيل الأنبياء على الملائكة، وهذه القصة ذكرت في القرآن في سبع سور، في هذه السورة والأعراف والحجر والإسراء والكهف وطه وص، ولعل السر في تكريرها تسلية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان في محنة عظيمة في قومه وأهل زمانه، فكأنه قال أو لا ترى أن أول الأنبياء وهو آدم كان في محنة عظيمة للخلق، ذكره الخطيب والظاهر أنه لإظهار شرف آدم وفضله على سائر الخلق حتى الملائكة، وليس في هذه القصة ما يدل على