(وظللنا عليكم الغمام) أي جعلناه كالظلة، والغمام جمع غمامة قاله الأخفش، قال الفراء ويجوز غمائم قال ابن عباس غمام أبرد من هذا وأطيب، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة، وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر، وكان معهم في التيه، وقال قتادة كان هذا الغمام في البرية ظلل عليهم من الشمس وجعل لهم عموداً من نور يضيء لهم بالليل إذا لم يكن قمر، والتيه واد بين الشام ومصر وقدره تسعة فراسخ مكثوا فيه أربعين سنة متحيرين لا يهتدون إلى الخروج.
(وأنزلنا عليكم المن والسلوى) يعني في التيه، قال قتادة أطعمهم ذلك حين برزوا إلى البرية، فكان المن يسقط عليهم في محلتهم طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سقوط الثلج أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، فيأخذ الرجل قدر ما يكفيه يومه ذلك فإن تعدى ذلك فسد ما يبقى عنده، حتى إذا كان يوم سادسه يوم جمعة أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه فبقي عنده لأنه كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر المعيشة، ولا لطلبة شيء، وهذا كله في البرية.
وقد ذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين وقالوا لموسى (اذهب أنت وربك فقاتلا) وسيأتي بسطه في سورة المائدة، وكان عدد الذين تاهوا ستمائة ألف وماتوا كلهم في التيه إلا من لم يبلغ العشرين، ومات فيه موسى وهارون، وكان موت موسى بعد هارون