(و) تاب (على الثلاثة الذين خُلفوا) أي أخروا ولم تقبل توبتهم في الحال كما قبلت توبة أولئك المتخلفين المتقدم ذكرهم، قال ابن جرير معنى خلفوا تركوا يقال خلفت فلاناً فارقته، وقرئ خلفوا بالتخفيف أي أقاموا بعد نهوض رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إلى الغزو، وقرئ خالفوا، وقيل معنى خلفوا فسدوا مأخوذ من خلوف الفم، وهؤلاء الثلاثة هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع أو ابن ربيعة العامري وهلال بن أمية الواقفي، وكلهم من الأنصار لم يقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم توبتهم حتى نزل القرآن بأن الله قد تاب عليهم.
(حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) كناية عن شدة التحير وعدم الاطمئنان، يعني أخروا عن قبول التوبة إلى هذه الغاية وهي وقت أن ضاقت عليهم الأرض برحبها لإعراض الناس عنهم وعدم مكالمتهم من كل أحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الناس أن يكالموهم، والرحب الواسع يقال منزل رحب ورحيب وراحب والمضموم مصدر والمفتوح مكان، وفي هذه الآية دليل على جواز هجران أهل المعاصي تأديباً لهم لينزجروا عن المعاصي.
(وضاقت عليهم أنفسهم) أي أنها ضاقت صدورهم بما نالهم من الوحشة وبما حصل لهم من الجفوة وشدة الغم والحزن ومجانبة الناس إياهم وترك كلامهم فلا يسعها سرور ولا أنس، وعبر بالظن في قوله:(وظنوا) عن العلم أي علموا وأيقنوا (أن لا ملجأ) يلجؤون إليه قط (من الله) أي من عذابه أو من سخطه (إلا إليه) سبحانه بالتوبة والاستغفار.