(بل قالوا) و (بل افتراه) و (بل هو شاعر)، كما ذكره ابن مالك في شرح كافيته، من أنها لا تقع في القرآن إلا على هذا الوجه وسبقه إليه صاحب الوسيط ووافقه ابن الحاجب وهو الحق.
(قالوا) الذي يأتي به من القرآن (أضغاث أحلام) أي أخلاط رآها في النوم. قاله الزجاج. وقال القتيبي: هي الرؤيا الكاذبة، وقال اليزيدي: الأضغاث ما لم يكن له تأويل. قال قتادة: أي دقل الأحلام إنما هي رؤيا رآها، يعني أباطيل وأهاويل رآها في النوم.
(بل افتراه) حكى سبحانه إضرابهم عن قولهم أضغاث أحلام، أي بل قالوا افتراه واختلقه من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل. ثم حكى عنهم أنهم أضربوا عن هذا وقالوا:(بل هو شاعر) وما أتى به من جنس الشعر، أي كلام يخيل للسامع معاني لا حقيقة لها ويرغبه فيها، هذا هو المراد بالشعر هنا، وفي هذا الإضراب منهم والتلون والتردد أعظم دليل على أنهم جاهلون بحقيقة ما جاء به لا يدرون ما هو ولا يعرفون كنهه، أو كانوا قد علموا أنه حق وأنه من عند الله، ولكن أرادوا أن يدفعوه بالصدر ويرموه بكل حجر ومدر، وهذا شأن من غلبته الحجة وقهره البرهان.
ثم بعد هذا كله قالوا:(فليأتنا بآية) وهذا جواب شرط محذوف، أي إن لم يكن كما قلنا بل كان رسولاً من عند الله فليأتنا بآية إتياناً كائناً (كما أرسل الأولون) أي مثل ما أرسل موسى بالعصا وغيرها، وصالح بالناقة، وكان سؤالهم هذا سؤال تعنت، لأن الله سبحانه قد أعطاهم من الآيات ما يكفي، ولو علم الله سبحانه أنهم يؤمنون إذا أعطاهم ما يقترحونه لأعطاهم ذلك كما قال، (ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون). قال الزجاج: اقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال فقال الله مجيباً لهم: