وقال ابن كيسان: معناه ما أردنا إلا عدلاً وحقاً مثل قوله (وليحلفنّ إن أردنا إلا الحسنى) فكذبهم الله بقوله (أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) من النفاق والعداوة للحق، وكذبهم في عذرهم، قال الزجاج: معناه قد علم الله أنهم منافقون (فأعرض عنهم) أي عن عقابهم بالصفح، وقيل عن قبول اعتذارهم، وقيل أعرض عنهم في الملا، وقل لهم في الخلا، لأنه في السر أنجع، وقيل هذا الإعراض منسوخ بآية القتال.
(وعظهم) أي خوّفهم من النفاق والكفر والكذب والكيد وعذاب الآخرة باللسان (وقل لهم في أنفسهم) أي في حق أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المنطوية على الشرور التي يعلمها الله، وقيل معناه قل لهم خالياً بهم ليس معهم غيرهم (قولاً بليغاً) أي بالغاً في وعظهم ومؤثراً فيهم، واصلاً إلا كنه المراد مطابقاً لما سيق له من المقصود، وذلك بأن يوعدهم بسفك دمائهم وسبي نسائهم وسلب أموالهم، والإيذان بأن ما في قلوبهم من مكنونات الشر والنفاق غير خاف على الله تعالى، وأن ذلك مستوجب لأشد العقوبات.
والبلاغة إيصال المعنى إلا الفهم في أحسن صورة من اللفظ، وقيل حسن العبارة مع صحة المعنى، وقيل سرعة الإيجاز مع الإفهام وحسن التصرف من غير إضجار، وقيل ما قل لفظه وكثر معناه، وقيل ما طابق لفظه معناه ولم يكن لفظه إلا السمع أسبق من معناه إلا القلب.
وقيل المراد بالقول البليغ ما كان مشتملاً على الترغيب والترهيب والإعذار والإنذار والوعد والوعيد، وإذا كان كذلك عظم وقعه في القلوب وأثر في النفوس.