(إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) المراد بالعباد هنا هم المخلصون، والمراد أنه لا تسلط أنت عليهم بإيقاعهم في ذنب يهلكون به ولا يتوبون منه، فلا ينافي هذا ما وقع من آدم وحواء أو نحوهما فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة عنه قال أهل المعاني معنى (عليهم) على قلوبهم، وقال سفيان بن عيينة: معناه ليس لك عليهم قوة وقدرة على أن تلقيهم في ذنب يضيق عنه عفوي، وهؤلاء خاصته أي الذين هداهم واجتباهم من عباده.
(إلا من اتبعك) استثنى سبحانه من عباده هؤلاء وهم المتبعون لإبليس (من الغاوين) عن طريق الحق الواقعين في الضلال وهو موافق لما قاله إبليس اللعين من قوله (لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصون).
ويمكن أن يقال بين الكلامين فرق، فكلام الله سبحانه فيه نفي سلطان إبليس على جميع عباده إلا من اتبعه من الغاوين، فيدخل في ذلك المخلصون وغيرهم ممن لم يتبع إبليس، وكلام إبليس اللعين يتضمن إغواء الجميع إلا المخلصين، فدخل فيهم من لم يكن مخلصاً ولا تابعاً لإبليس غاوياً.
والحاصل أن بين المخلصين والغاوين التابعين لإبليس طائفة لم تكن مخلصة ولا غاوية تابعة لإبليس، وقد قيل أن الغاوين المتبعين لإبليس هم المشركون ويدل على ذلك قوله تعالى (إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) قال أبو السعود: وفيه مع كونه تحقيقاً لما قاله اللعين تفخيم لشأن المخلصين، وبيان لمنزلتهم، ولانقطاع مخالب الإغواء عنهم وإن إغواءه للغاوين ليس بطريق السلطان بل بطريق اتباعهم له بسوء اختيارهم.