(يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات) أي عقدتم بهن عقد النكاح أو بالكتابيات، وإنما خص المؤمنات بالذكر للتنبيه على أن من شأن المؤمن أن لا ينكح إلا مؤمنة تخيراً للنطفة، وقد اختلف في لفظ النكاح، هل هو حقيقة في الوطء؟ أو في العقد؟ أو فيهما على طريقة الاشتراك؟ وكلام صاحب الكشاف في هذا الموضع يشعر بأنه حقيقة في الوطء، فإنه قال: النكاح الوطء وتسمية العقد نكاحاً لملابسته له من حيث إنه طريق إليه، ونظيره تسمية الخمر إثماً لأنها سبب في اقتراف الإثم، ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلا في معنى العقد، كما قاله صاحب الكشاف والقرطبي وغيرهما.
(ثم) التراخي ليس قيداً، وفائدة التعبير بثم إزالة ما عسى أن يتوهم من أن تراخي الطلاق بقدر إمكان الإصابة كما يؤثر في النسب يؤثر في العدة (طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) أي تجامعوهن، فكنى عن ذلك بلفظ المس ومن آداب القرآن الكناية عن الوطء بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والغشي والإتيان.
وقد استدل بهذه الآية القائلون بأنه لا طلاق قبل النكاح، وهم الجمهور، وبه قال علي وابن عباس وجابر ومعاذ وعائشة، وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وشريح وسعيد بن جبير والقاسم وطاووس والحسن وعكرمة وعطاء وسليمان بن يسار ومجاهد والشعبي وقتادة وأكثر أهل العلم، وبه قال الشافعي، وذهب ابن مسعود ومالك وأبو حنيفة إلى صحة الطلاق قبل النكاح إذا قال: إذا تزوجت فلانة فهي طالق فتطلق إذا تزوجها، وبه قال النخعي وأصحاب الرأي، وقال ربيعة والأوزاعي: إن عينّ امرأة وقع وإن عمّم