(وإذ قال إبراهيم) أي واذكر وقت قوله، ولعل المراد بسياق ما قاله إبراهيم عليه السلام في هذا الموضع بيان كفر قريش بالنعم الخاصة بهم، وهي إسكانهم مكة بعدما بين كفرهم بالنعم العامة. وقيل إن ذكر قصة إبراهيم هاهنا لمثال الكلمة الطيبة، وقيل لقصد الدعاء إلى التوحيد وإنكار عبادة الأصنام. وهذه القصة كانت بعدما وقع له من الإلقاء في النار؛ وفي تلك لم يسأل ولم يدع بل اكتفى بعلم الله بحاله وفي هذه قد دعا وتضرع؛ ومقام الدعاء أجل وأعلى من مقام تركه اكتفاء بعلم الله كما قاله العارفون. فيكون إبراهيم قد ترقى وانتقل من طور إلى طور من أطوار الكمال.
(رب اجعل هذا البلد) أي مكة (آمناً) أي ذا أمن إلى قرب القيامة وخراب الدنيا، وقدَّم طلب الأمن على سائر المطالب المذكورة بعده لأنه إذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان لشيء آخر من أمور الدنيا والدين، وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية في البقرة عند قوله تعالى (رب اجعل هذا بلداً آمنا) والفرق بين ما هنا وما هنالك أن المطلوب هاهنا مجرد الأمن للبلد، والمطلوب هنالك البلدية والأمن.
وفي الجمل فسر الشارح البلد هنا بمكة، وفي سورة البقرة بالمكان فيقتضي أن هذا الدعاء وقع مرتين مرة قبل بنائها ومرة بعده، ولذلك كتب