(ولئن) لام قسم وإن شرطية (أتيت الذين أوتوا الكتاب) يعني اليهود والنصارى (بكل آية) أي بكل معجزة وبكل حجة وبرهان (ما تبعوا قبلتك) أي الكعبة عناداً، وفي هذه الآية مبالغة عظيمة وهي متضمنة للتسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وترويح خاطره بأن هؤلاء لا يؤثر فيهم كل آية ولا يرجعون إلى الحق وإن جاءهم بكل برهان فضلاً عن برهان واحد، وذلك لأنهم لم يتركوا اتباع الحق لدليل عندهم أو لشبهة طرأت عليهم حتى يوازنوا بين ما عندهم وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويقلعوا عن غوايتهم عند وضوح الحق، بل كان تركهم للحق تمرداً وعناداً مع علمهم بأنهم ليسوا على شيء، ومن كان هكذا فهو لا ينتفع بالبرهان أبداً.
والإخبار في قوله (وما أنت بتابع) يمكن أن يكون بمعنى النهي من الله لسبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، أي لا تتبع يا محمد (قبلتهم) ويمكن أن يكون على ظاهره دفعاً لأطماع أهل الكتاب، وقطعاً لما يرجونه من رجوعه صلى الله عليه وآله وسلم إلى القبلة التي كان عليها، وهذه الجملة أبلغ من النفي من قوله (وما تبعوا قبلتك) من وجوه منها كونها اسمية تكرر فيها الاسم مؤكداً نفيها بالباء (وما بعضهم بتابع قبلة بعض) فيه إخبار بأن اليهود والنصارى مع حرصهم على متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما عندهم، هم مختلفون في دينهم حتى في هذا الحكم الخاص الذي قصه الله سبحانه على رسوله، فإن بعضهم لا يتابع الآخر في استقبال قبلته، قال في الكشاف: وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس، والنصارى تستقبل مطلع الشمس، انتهى.