(وجعلوا لله أنداداً) أي أمثالاً وأشباهاً أي شركاء في الربوبية أو في التسمية وهي الأصنام، قال قتادة: يعني أشركوا بالله وليس له تعالى شريك ولا ند ولا شبيه تعالى عن ذلك علواً كبيراً فسَّر بغير قراءة حفص فهي بضم الياء أما هنا ففسرها على الفتح فجعل الأصل قراءة والقراءة أصلاً (ليضلوا) بفتح الياء أنفسهم (عن سبيله) أي عن سبيل الله، اللام للعاقبة بطريق الاستعارة التبعية أي ليتعقب جعلهم لله أنداداً ضلالهم لأن العاقل لا يريد ضلال نفسه.
وحسن استعمال لام العاقبة هنا لأنها تشبه الغرض والغاية من جهة حصولها في آخر المراتب والمشابهة أحد الأمور المصححة للمجاز، وقرئ بضم الياء أي ليوقعوا قومهم في الضلال عن سبيل الله، فهذا هو الغرض من جعلهم لله أنداداً والقراءتان سبعيَّتان، ثم هددهم سبحانه فقال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم (قل تمتعوا) في الدنيا بما أنتم فيه من الشهوات وما زينته لكم أنفسكم من كفران النعم وإضلال الناس أياماً قلائل.
وفي التهديد بصيغة الأمر إيذان بأن المهدد عليه كالمطلوب لإفضائه إلى المهدد به (فإن مصيركم) أي مردكم ومرجعكم في الآخرة (إلى النار).
ولما كان هذا حالهم وقد صاروا لفرط تهالكهم عليه وإنهماكهم فيه لا يقلعون عنه ولا يقبلون فيه نصح الناصحين، جعل الأمر بمباشرته مكان النهي عن قربانه إيضاحاً لما تكون عليه عاقبتهم وأنهم لا محالة صائرون إلى النار فلا بد لهم من تعاطي الأسباب المقتضية لذلك، فجملة فإن مصيركم إلى النار تعليل للأمر بالتمتع وفيه من التهديد ما لا يقادر قدره، أو المعنى فإن دمتم على ذلك فإن مصيركم إلى النار والأول أولى والنظم القرآني عليه أدل كما يقال لمن سعى في مخالفة السلطان اصنع ما شئت من المخالفة فإن مصيرك إلى السيف.