(وله من في السماوات والأرض) عبيداً وملكاً، وهو خالقهم ورازقهم ومالكُهم والنعم عليهم بأصناف النعم، فكيف يجوز أن يكون بعض مخلوقاته شريكاً له يُعْبَد كما يُعْبد، وهذه الجملة مستأنفة مقررة لما قبلها (ومن عنده) يعني الملائكة، وفيه رد على القائلين بأن الملائكة بنات الله، وفي التعبير عنهم بكونهم عنده إثْرَ ما عبر عنهم بمن في السماوات إشارة إلى تشريفهم وكرامتهم ومزيد الاعتناء بهم وأنهم عنده بمنزلة المقربين عند الملوك:
قال أبو السعود: بطريق التمثيل وأقول أنا بل بطريق التحقيق كما هو ظاهر النظم القرآني، ثم وصفهم بقوله:(لا يستكبرون) أي لا يتعاظمون ولا يأنفون (عن عبادته) سبحانه والتذلل له.
(ولا يستحسرون) أي لا يعيون ولا يتعبون مأخوذ من الحسير وهو البعير المنقطع بالإعياء والتعب يقال حسر البعير يحسر حسوراً أعيي وكَلُّ واستحسر؛ وتحسر مثله وحسرته انا حسراً يتعدى ولا يتعدى، قال أبو زيد: لا يَكِلون، وقال ابن الأعرابي: لا يفشلون، وقال ابن عباس: لا يرجعون، قال الزجاج: معنى الآية أن هؤلاء الذين ذكرتم أنهم أولاد الله عباد الله لا يأنفون عن عبادته ولا يتعظمون عنها، كقوله:(إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته) وقيل: المعنى لا ينقطعون عن عبادته وهذه المعاني متقاربة.