(أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز) أي: أو لم يعلموا بسوقنا الماء إلى الأرض التي لا تنبت إلا بسوق الماء إليها؟ وقيل هي اليابسة وأصله من الجرز، وهو القطع، أي التي قطع نباتها لعدم الماء، وأزيل بالمرة، ولا يقال للتي لا تنبت أصلاً كالسباخ جرز لقوله الآتي:(نخرج به زرعاً) قال ابن عباس الجرز التي لا تُمطَر إلا مطراً لا يغني عنها شيئاًً إلا ما يأتيها من السيول وعنه قال هي أرض باليمن.
وقيل: أبين، قال القرطبي في تفسيره والإسناد عن ابن عباس صحيح لا مطعن فيه، وقيل أرض عدن. قال الضحاك هي الأرض العطشاء، وقال الفراء: هي الأرض التي لا نبات فيها، وقال الأصمعي هي الأرض التي لا تنبت شيئاًً. قال المبرد يبعد أن يكون لأرض بعينها لدخول الألف واللام. وقيل هي مشتقة من قولهم رجل جروز، إذا كان لا يبقى شيئاًً إلا أكله: وكذلك ناقة جروز، إذا كانت تأكل كل شيء تجده، وقال مجاهد إنها أرض النيل لأن الماء إنما يأتيها في كل عام.
(فنخرج به) أي: بالماء (زرعاً تأكل منه أنعامهم) أي من الزرع، كالتبن والقصل، والورق، وبعض الحبوب المخصوصة بها، ونحوها مما لا يأكله الناس (وأنفسهم) أي: يأكلون من الحبوب، والثمار، والأقوات الخارجة من الزرع مما يقتاتونه، وقدم الأنعام لأن انتفاعها مقصور على النبات، ولأن أكلها منه مقدم، لأنها تأكله قبل أن يثمر، ويخرج سنبله.
(أفلا يبصرون) هذه النعم ويشكرون النعم ويوحِّدونه، لكونه المتفرد بإيجاد ذلك، وجعلت الفاصلة: يبصرون لأن الزرع مرئي، وفيما قبله يسمعون لأن ما قبله مسموع، أو ترقياً إلى الأعلى في الاتعاظ مبالغة في التذكير، ودفع العذر.