(تبارك الذي نزّل الفرقان) تكلم سبحانه في هذه السورة على التوحيد لأنه أقدم وأهم، ثم في النبوة لأنها الواسطة ثم في المعاد، لأنه الخاتمة وأصل تبارك مأخوذ من البركة. وهي النماء والزيادة. حسيّة كانت أو عقلية. قال الزجاج: تبارك تفاعل من البركة، وبه قال ابن عباس، قال: ومعنى البركة الكثرة من كل ذي خير، وقال الفراء: إن تبارك وتقدس في العربية واحد. ومعناهما العظمة. وقيل المعنى تبارك عطاؤه، أي زاد وكثر، وقيل دام وثبت.
قال النحاس: وهذا أولاها في اللغة، والاشتقاق من برك الشيء إذا ثبت، ومنه برك الجمل، أي دام وثبت، واعترض ما قاله الفراء بأن التقديس إنما هو من الطهارة، وليس من ذا في شيء. قال العلماء: هذه اللفظة لا تستعمل إلا لله سبحانه، ولا تستعمل إلا بلفظ الماضي. والمعنى تعالى الله عما سواه في ذاته وصفاته، وأفعاله التي من جملتها تنزيل القرآن الكريم المعجز الناطق بعلو شأنه تعالى، وسمو صفاته، وابتناء أفعاله على أساس الحكم والمصالح، وخلوها عن شائبة الخلل بالكلية، والفرقان القرآن وسمي فرقاناً لأنه يفرق بين الحق والباطل بأحكامه أو بين المحقِّ والمبطل.