(من الذين هادوا) قوم (يحرّفون الكلم عن مواضعه) وقال الفراء التقدير من الذين هادوا من يحرفون كقوله (وما منّا إلا له مقام معلوم) أي من له مقام، وأنكره المبرد والزجاج وقيل بيان لقوله (الذين أوتوا نصيباً من الكتاب) والتحريف الإمالة والإزالة أي يميلونه ويزيلونه عن مواضعه ويجعلون مكانه غيره، أو المراد أنهم يتأولونه على غير تأويله، وإليه ذهبت طائفة من الفقهاء والمحدثين.
وقال ابن عباس: يحرفون حدود الله في التوراة، وقال مجاهد: تبديل اليهود التوراة، وذمهم الله عز وجل بذلك لأنهم يفعلونه عناداً وبغياً وإيثاراً لعرض الدنيا.
قال الحافظ ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان: وقد اختلف في التوراة التي بأيديهم هل هي مبدلة أم التبديل وقع في التأويل دون التنزيل؟ على ثلاثة أقوال قالت طائفة: كلها أو أكثرها مبدّل، وغلا بعضهم حتى قال يجوز الاستجمار بها، وقالت طائفة من أئمة الحديث والفقه والكلام إنما وقع التبديل في التأويل.
قال البخاري في صحيحه يحرفون يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله ولكنهم يتأولونه على غير تأويله، وهو اختيار الرازي أيضاً،