(بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) فأضرب عن الكلام الأول وانتقل إلى بيان أنهم سارعوا إلى تكذيب القرآن قبل أن يتدبروه ويفهموا معانيه وما اشتمل عليه، وهكذا صنع من تصلب في التقليد ولم يبال بما جاء به من دعا إلى الحق وتمسك بذيول الإنصاف، بل يرده بمجرد كونه لم يوافق هواه، ولا جاء على طبق دعواه قبل أن يعرف معناه ويعلم مبناه كما تراه عياناً، وتعلمه وجداناً.
والحاصل أن من كذب بالحجة النيرة والبرهان الواضح قبل أن يحيط بعلمه فهو لم يتمسك بشيء في هذا التكذيب إلا مجرد كونه جاهلاً إنما كذب به غير عالم به، فكان بهذا التكذيب، منادياً على نفسه بالجهل بأعلى صوته ومسجلاً بقصوره عن تعقل الحجج بأبلغ تسجيل، وليس على الحجة ولا على من جاء بها من تكذيبه شيء.
ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه (ولما يأتهم تأويله) أي بل كذبوا بما لم يحييطوا بعلمه ولم يأتهم تأويله، أي كذبوا به حال كونهم لم يفهموا تأويل ما كذبوا به ولا بلغته عقولهم ولا وصلت أذهانهم معانيه الرائقة المُنبئة عن علو شأنه.
والمعنى أن التكذيب وقع منهم قبل الإحاطة بعلمه، وقبل أن يعرفوا ما