(فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) هذا الضمير عائد إلى الإيصاء المفهوم من الوصية، وكذلك الضمير في قوله (سمعه) والتبديل التغيير، والضمير في (إثمه) راجع إلا التبديل المفهوم من قوله بدله، وهذا وعيد لمن غير الوصية المطابقة للحق التي لا حيف فيها ولا مضارة وإنه يبوء بالإثم، وليس على الموصي من ذلك شيء فقد تخلص مما كان عليه بالوصية به.
قال القرطبي: ولا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز مثل أن يوصي بخمر أو خنزير أو شيء من المعاصي أنه يجوز تبديله، ولا يجوز إمضاؤه كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث قاله أبو عمرو، انتهى.
والمبدلون إما الأوصياء بأن ينكروا الوصية أو يغيروها إما في الكتابة أو في قسمة الحقوق، أو الشهود بأن يكتموا الشهادة أو يغيروها، والمعنى فمن بدل قول الميت أو ما أوصى به، وقيل الضمير في (بدله) يعود على الوصية لأنها بمعنى الإيصاء وقيل على نفس الإيصاء، وقيل على الأمر والفرض الذي أمر به الله وفرضه أو في المكتب أو الحق أو المعروف، فهذه ستة أقوال أولاها ما ذكرنا.
ولكن هنا وقفة من حيث أن الكلام السابق إنما هو في الوصية المنسوخة التي هي للوالدين والأقربين، وقوله (فمن بدله) إلا آخر الآية إنما هو في الوصية التي استقر عليها الشرع ويعمل بها إلا الآن، وعلى هذا فكيف يعود الضمير من المحكمة على المنسوخة. قال سليمان الجمل: فليتأمل فإني لم أر من نبه على هذا انتهى.
قلت إنما يرد هذا على قول من قال بنسخ الوصية المذكورة، وقد تقدم أن جماعة من أهل العلم ذهبت إلا أنها محكمة فلا تأمل ولا تنبيه والله أعلم.
(إن الله سميع) لما أوصى به الموصي ولقوله (عليم) بتبديل المبدل وفعل الوصي فيجازي عليه الأول بالخير والثاني بالشر.