(وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً) يعني لما أيس نوح عليه السلام من إيمانهم وإقلاعهم عن الكفر، دعا عليهم بالهلاك، قال قتادة دعا عليهم بعد أن أوحى إليه أنه (لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) فأجاب الله دعوته وأغرقهم، وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع بن أنس وابن زيد وعطيه: إنما قال هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم، وأعقم أرحام النساء وأصلاب الآباء قبل العذاب بسبعين سنة، وقيل بأربعين، قال قتادة: لم يكن فيهم صبي وقت العذاب وقال الحسن وأبو العالية: لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذاباً من الله وعدلاً فيهم، ولكن أهلك ذريتهم وأطفالهم بغير عذاب ثم أهلكهم بالعذاب.
ومعنى (ديّاراً) من يسكن الديار ويدور في الأرض وأصله ديوار على فيعال من دار يدور فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى مثل القيام أصله قيوام، وقال القتيبي أصله من الدار أي نازل بالدار يقال ما بالدار ديار وديور أي أحد كقيام وقيوم، وهو من الأسماء المستعملة في النفي العام، وقيل الديار صاحب الديار، والمعنى لا تدع أحداً منهم إلا أهلكته، وقيل هو مأخوذ من الدوران وهو التحرك.
قال سليمان الجمل: انظر ما الحكمة في تأخيره عن قوله (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا) مع أن مقتضى الظاهر تقديمه عليه لكونه سبباً لإغراقهم، تأمل، ثم رأيت، أبا السعود: قال هذا عطف على نظيره السابق وقوله (مما خطيئاتهم) اعتراض وسط بين دعائه عليه السلام للإيذان من أول الأمر بأن ما أصابهم من الإغراق والإحراق لم يصبهم إلا لأجل خطاياهم التي عددها نوح، وإشارة إلا أن استحقاقهم للإهلاك لأجلها أهـ كلام الجمل.