(وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) قال الزجاج: الجملة الواقعة بعد إلا صفة لموصوف محذوف والمعنى ما أرسلنا قبلك أحداً منهم إلا آكلين وماشين فأنت مثلهم في ذلك وقد قيل لهم مثل ما قيل لك، وقال الفراء: لا محل لها من الإعراب إنما هي صلة لموصول محذوف والتقدير إلا من أنهم كما في قوله (إلا واردها) أي إلا من يردها، وبه قال الكسائي وقال الزجاج: هذا خطأ لأن من الموصولة لا يجوز حذفها، وقال ابن الأنباري: التقدير إلا وإنهم، وقرئ إنهم بكسر إن لوجود اللام في خبرها وهو مجمع عليه عند النحاة. وقال المبرد: يجوز فيه الفتح، قال النحاس: وأحسبه وهماً. وقرئ يمشون مخففاً ومثقلاً. قال قتادة: يقول إن الرسل قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا بهذه المنزلة يأكلون ويمشون.
(وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) هذا الخطاب عام للناس، وفيه تسلية له - صلى الله عليه وسلم - أيضاً، فإنه أشرف الأشراف، وقد ابتلى بأخس الأخساء، وقد جعل سبحانه بعض عبيده فتنة لبعض، فالصحيح فتنة للمريض، والغني فتنة للفقير، وقيل المراد بالبعض الأول كفار الأمم، وبالبعض الثاني الرسل، ومعنى الفتنة الابتلاء، والمحنة. والأول أولى، فإن البعض من الناس ممتحن بالبعض مبتلى به فالمريض يقول لِمَ لم أجعل كالصحيح؟ وكذا صاحب كل آفة، والصحيح مبتلى بالمريض، فلا يضجر منه ولا يحقره، والغني مبتلى بالفقير يواسيه، والفقير مبتلى بالغنى يحسده، ونحوه هذا مثله.
وقيل المراد بالآية أنه كان إذا أراد الشريف أن يسلم، ورأى الوضيع قد أسلم قبله، أنف وقال: لا أسلم بعده فيكون له على السابقة والفضل! فيقيم على كفره. فذلك افتتان بعضهم ببعض، واختار هذا الفراء والزجاج ولا وجه لقصر الآية على هذا، فإن هؤلاء إن كانوا سبب النزول فالاعتبار بعموم