(وإذ قال موسى لقومه) أي أذكر يا محمد لهؤلاء المعرضين وقت قول موسى، ويجوز أن يكون وجه ذكر قصة موسى وعيسى بعد محبة المجاهدين في سبيل الله التحذير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، أن يفعلوا مع نبيهم ما فعله قوم موسى وعيسى معهما (يا قوم لم تؤذونني) هذا مقول القول، أي لم تؤذونني بمخالفة ما آمركم به من الشرائع التي افترضها الله عليكم، أو بالشتم والانتقاص ومن ذلك رميه بالأدرة، وقد تقدم بيان هذا في سورة الأحزاب.
وجملة:(وقد تعلمون أني رسول الله إليكم) في محل نصب على الحال، وقد لتحقق العلم أو لتأكيده لا للتقريب ولا للتقليل، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار، والمعنى كيف تؤذونني مع علمكم بذلك؟ والرسول يحترم ويعظم، ولم يبق معكم شك في الرسالة لما قد شاهدتم من المعجزات التي توجب عليكم الاعتراف برسالتي، وتفيدكم العلم بها علماً يقينياً.
(فلما زاغوا) عن الإيمان وأصروا على الزيغ واستمروا عليه (أزاغ الله قلوبهم) عن الهدى وصرفها عن قبول الحق، وقيل: صرفها عن الثواب قال مقاتل: لما عدلوا عن الحق أي بإيذاء نبيهم أمال الله قلوبهم عنه، جزاء بما ارتكبوا، أو المعنى لما تركوا أوامره نزع نور الإيمان من قلوبهم، أو فلما اختاروا الزيغ أزاغ الله قلوبهم، أي خذلهم وحرمهم توفيق اتباع الحق.
(والله لا يهدي القوم الفاسقين) هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها، قال الزجاج: لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق، والمعنى أنه لا يهدي كل متصف بالفسق وهؤلاء من جملتهم وإن من أسلم منهم لم يكن كافراً في علمه، أي محتوماً عليه بالكفر بحيث يموت عليه.