(الذين آتيناهم الكتاب) وهم علماء اليهود والنصارى الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والتعريف للجنس فيشمل التوراة والإنجيل وغيرهما (يعرفونه) أي يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال به جماعة من السلف وإليه ذهب الزجاج، وقيل يعرفون القرآن معرفة محققة بحيث لا يلتبس عليهم منه شيء وقيل يعود الضمير على التوحيد لدلالة قوله:(إنما هو إله واحد) أو على كتابهم أو على جميع ذلك وأفرد الضمير اعتباراً بالمعنى كأنه قيل يعرفون ما ذكرنا وقصصنا.
(كما يعرفون أبناءهم) بيان لتحقق تلك المعرفة وكمالها وعدم وجود شك فيها فإن معرفة الآباء للأبناء هي البالغة إلى غاية الإيقان إجمالاً وتفصيلاً (الذين خسروا أنفسهم) أي أهلكوها وغبنوها وأوبقوها في نار جهنم بأنكارهم نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقيل المعنى أن أولئك الذين آتاهم الله الكتاب هم الذين خسروا أنفسهم بسبب ما وقعوا فيه من البعد عن الحق وعدم العمل بالمعرفة التي ثبتت لهم.
ومعنى هذا الخسران كما قاله جمهور المفسرين أن الله جعل لكل إنسان منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار، فإذا كان يوم القيامة جعل الله للمؤمنين منازل أهل النار في الجنة ولأهل النار منازل أهل الجنة في النار، ذكره الكرخي (فهم) بعنادهم وتمردهم (لا يؤمنون) بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال البيضاوي: الفاء للدلالة على أن عدم إيمانهم مسبب عن خسرانهم