(ومن الناس من يجادل في) شأن (الله) كقول من قال: إن الملائكة بنات الله والمسيح ابن الله وعزيراً ابن الله، قيل نزلت في النضر بن الحرث وقيل في أبي جهل، وقيل في رجل من بني عبد الدار، قاله ابن عباس، وقيل هي عامة لكل من يتصدى لإضلال الناس وإغوائهم وعلى كل حال فالاعتبار بما يدل عليه اللفظ وإن كان السبب خاصاً.
والمعنى ومن الناس فريق يجادل في الله فيدخل في ذلك كل مجادل في ذات الله أو صفاته أو شرائعه الواضحة (بغير علم) أي كائناً بغير علم، قيل والمراد بالعلم هو العلم الضروري (ولا هدى) وهو العلم النظري الاستدلالي؛ لأن الدليل يهدي إلى المعرفة، والأولى حمل العلم على العموم وحمل الهدى على معناه اللغوي وهو الإرشاد.
(ولا كتاب) أي وحي (منير) وهو القرآن، والمعنى أنه يجادل من غير مقدمة ضرورية ولا نظرية ولا سمعية والعلم للإنسان من أحد هذه الوجوه الثلاثة والمنير: النير البيّن الحجة الواضح البرهان، وهو إن دخل تحت قوله بغير علم فإفراده بالذكر كإفراد جبريل بالذكر بعد ذكر الملائكة وذلك لكونه الفرد الكامل الفائق على غيره من أفراد العلم، وأما من حمل العلم على الضروري والهدى على الاستدلالي، فقد حمل الكتاب هنا على الدليل السمعي فتكون الآية متضمنة لنفي الدليل العقلي ضرورياً كان أو استدلالياً، ومتضمنة لنفي الدليل النقلي بأقسامه وما ذكرناه أولى. قيل والمراد بهذا المجادل في هذه الآية هو المجادل في الآية الأولى أعني قوله:(ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد) وبذلك قال كثير من المفسرين والتكرير للمبالغة في الذم، كما تقول لرجل تذمّه وتوبّخه: أنت فعلت هذا! أنت