(إنا أرسلناك بالحق) أي محقين أو محقاً أو إرسالاً متلبساً بالحق أي بالهدى (بشيراً) بالوعد الحق (ونذيراً) بالوعيد الحق أو بشيراً لأهل الطاعة ونذيراً لأهل المعصية.
(وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) أي ما من أمة من الأمم الماضية إلا مضى فيها نذير من الأنبياء ينذرها، والأمة الجماعة الكثيرة، وتقال لكل أهل عصر، والمراد هنا أهل العصر، واقتصر على ذكر النذير دون البشير لأنه ألصق بالمقام.
فإن قلت: كم من أمة في الفترة بين عيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - لم يخل فيها نذير؟ قلت: إذا كانت آثار النذارة باقية لم تخل من نذير إلا أن تندرس وحين اندرست آثار نذارة عيسى عليه السلام بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وآثار نذارته باقية إلى يوم القيامة لأنه لا نبي بعده، فهل من مدّكر، وهذا يقتضي أن أهل الفترة مكلفون لبقاء آثار الرسل المتقدمة فيهم، وهو خلاف ما في شرح ابن حجر على الهمزية أن أهل الفترة من أهل الجنة وإن غيروا وبدلوا وعبدوا غير الله، لأنه لم يرسل إليهم رسولاً لأن من قبلهم من الرسل انتهت رسالته بموته إذ لم يعلم لأحد من الرسل استمرار رسالته بعد الموت إلا نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فهم غير مكلفين بما يفعلونه ولو كان صورة معصية.