(واذكر في الكتاب مريم) هذا شروع في ابتداء خلق عيسى، والمراد بالكتاب هذه السورة: أي اذكر يا محمد للناس في هذه السورة قصة مريم وخبرها ونبأها؛ أو المراد به جنس القرآن وهذه السورة منه (إذ انتبذت) النبذ الطرح والرمي. قال تعالى:(فنبذوه وراء ظهورهم)، والمعنى أنها تنحت وتباعدت. وقال ابن قتيبة: اعتزلت وقيل انفردت.
(من أهلها) أي من قومها والمعاني متقاربة. واختلفوا في سبب انتباذها، فقيل لأجل أن تعبد الله سبحانه، وقيل للتطهر من حيضها (مكاناً شرقياً) أي من جانب الشرق، والنصب على الظرفية أو مفعول به، على أن معنى انتبذت أتت مكاناً، كما في السمين، وفي المصباح ما يؤيده.
والشرق بسكون الراء المكان الذي تشرق فيه الشمس، وإنما خص المكان بالشرق لأنهم يعظمون جهة الشرق لأنها مطلع الأنوار، حكى معناه ابن جرير، وقال ابن عباس: مكاناً أظلها من الشمس أن يراها أحد منهم، وقال: إنما اتخذت النصارى المشرق قبلة. لأن مريم اتخذت من أهلها مكاناً شرقياً. فاتخذوا ميلاده قبلة، وإنما سجدت اليهود على خوف حين شق فوقهم الجبل، فجعلوا ينحرفون وهم ينظرون إليه يتخوفون أن يقع عليهم، فسجدوا سجدة رضيها الله فاتخذوها عنه.
وقيل كان ذلك اليوم شاتياً شديد البرد فجلست في مشرقه تعلي رأسها.