(وما يتبع أكثرهم إلا ظناً) هذا كلام مبتدأ غير داخل في الأوامر السابقة، والمعنى ما يتبع هؤلاء المشركون في إشراكهم بالله وجعلهم له أنداداً إلا مجرد الظن والتخمين والتحدس، ولم
يكن ذلك عن بصيرة والتفات إلى فرد من أفراد العلم، فضلاً عن أن يسلكوا مسالك الأدلة الصحيحة الهادية إلى الحق المبنية على المقدمات اليقينية الصادقة فيفهموا مضمونها ويقفوا على مقتضاها وبطلان ما يخالفها، بل ظن من ظن من سلفهم أن هذه المعبودات تقربهم إلى الله وأنها تشفع لهم.
ولم يكن ظنه هذا لمستند قط بل مجرد خيال مختل وحدس باطل فقلدوا فيه آباءهم ولعل تنكير الظن هنا للتحقير، أي إلا ظناً ضعيفاً واهياً لا يستند إلى ما تستند إليه سائر الظنون.
وقيل المراد بالآية أنه ما يتبع أكثرهم في الإيمان بالله والإقرار به إلا ظناً والأول أولى، وقيل المراد بالأكثر الكل لأن جميعهم يتبعون الظن في دعواهم أن الأصنام تشفع لهم، قال الكرخي: وفيه دليل على أن تحصيل العلم في الأصول واجب والاكتفاء بالتقليد والظن غير جائز، وقيل المراد بالأكثر الرؤساء.
ثم أخبرنا الله سبحانه (إن الظن لا يغني من الحق شيئاً) لأن أمر الدين إنما ينبني على العلم وبه يتضح الحق من الباطل، والظن لا يقوم مقام العلم ولا يدرك به الحق ولا يغني عن الحق في شيء من الأشياء، والجملة مستأنفة لبيان شأن الظن وبطلانه ومن بمعنى عن والحق بمعنى العلم (إن الله عليم بما يفعلون) من الأفعال القبيحة الصادرة لا عن برهان فيندرج تحتها ما حكى عنهم من الإعراض عن البراهين القاطعة والاتباع للظنون الفاسدة اندراجاً أولياً.